English

من الفراعنة حتى العصر الحديث.. مراحل تطور المسرح المصري
اخبار النجوم Tue, Nov 14, 2023
تربع المسرح المصري على عرش المسارح في الوطن العربي، وكانت له مكانة كبيرة حتى بجوار المسارح العالمية، وما لا يعرفه الكثيرون أن المسرح المصري لم يبدأ في القرن الماضي، بل مر بتاريخ طويل من التطور المستمر.
والذي امتدت لعصور طويلة بدأت من العصر الفرعوني مرورًا بالإغريق والمماليك بالإضافة إلى الحملة الفرنسية وعصر الخديو إسماعيل.
وهذا التاريخ الطويل ساهم بشكل كبير في إزدهار فكرة المسرح المصري، لتتلائم مع التطور الحضاري والتكنولوجي الذي حدث بعد ذلك في العصر الحديث. لذلك نستعرض لكم في المقال التالي، تاريخ المسرح المصري منذ نشأته وتطوره ووصلًا لمكانته في العصر الحديث:
العصر الفرعوني

في هذا العصر القديم، كانت المشاهد الفنية مرتبطة بالشعائر الدينية، وتعرض فقط أمام الملوك والأمراء، حيث كان كهنة أمون يقدمون المسرحيات الشعرية في مناسبات معينة.
ولعل أشهر قصة أدبية تم عرضها على المسرح الفرعوني، هي قصة “إيزيس وأوزوريس”، والتي تم العثور عليها في برديات تحتوي على نصوص مسرحية من 40 مشهد، تمزج بين الشعر والموسيقي.
العصر اليوناني الروماني

استغل ملوك هذا العصر حجر الأساس الذي وضعه القدماء المصريين للمسرح، في إنشاء أول مسرح إغريقي في مدينة الأسكندرية، والذي بدأ في قصور الملوك والأمراء، وكان يتم فيه تقديم مسرحيات من الثقافة الإغريقية.
ثم بعد ذلك تم بناء مسرح بشكلة التقليدي المعروف، في الساحات التجارية الشعبية، وكان من أهم تلك المسارح الأثر العظيم للمسرح الروماني بالإسكندرية، الذي تم اكتشافه في 1964.
ولكن مع دخول الدين المسيحي للإمبراطورية الرومانية، حرص المسيحيون على القضاء على تلك المسارح، بسبب التحريم الكنسي لهذا الفن، خاصة وأنها كانت تقدم عروض مسرحية وثنية، مما جعل فن المسرح يندثر في مصر لفترة طويلة.
العرب والعصر المملوكي

كذلك لم يعرف العرب المسرح في بداية الحضارة العربية الإسلامية، رغم اختلاط العرب بحضارت كثيرة ومتنوعة، وانفتاحهم على مختلف الفنون التي قدمتها تلك الحضارات، إلا أن المسرح لم يكن ضمن الثقافة العربية التي اهتمت أكثر بالشعر والأدب.
ومع دخول المماليك لمصر في القرن الـ 13 الميلادي، انتشر مسرح خيال الظل، وهو نوع من الفنون يعتمد على شاشة بيضاء يقوم أحد الأشخاص بتحريك الشخصيات خلفها ليظهر ظلها للناس، مقدمًا قصة قصيرة هادفة باستخدام الموسيقى والشعر.
وهو الفن الذي تطور بعد ذلك للعرائس المتحركة والأراجوز. وكان أشهر الروايات التي قدمت في مسرح الظل، رواية “طيف الخيال”، للمؤلف ابن دانيال الكحال.
اقرأ أيضًا: في عيد ميلاد "سيدة المسرح العربي".. ما لا تعرفه عن سميحة أيوب
الحملة الفرنسية

مع دخول الحملة الفرنسة لمصر عام 1798، أنشأ نابليون بونابرت فرقة مسرحية كوميدية باسم “الكوميدي فرانسيز”، بهدف تسلية جنوده، الذين كانوا يجتمعون كل 10 أيام في المسرح الذي بناه نابليون في منطقة الأزبكية، لحضور عرض مسرحي كوميدي يستمر لمدة 4 ساعات متواصلة.
إلا أن فن المسرح الكوميدي اندثر من جديد بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801، ولم يظهر مجددًا إلا بعد سنوات طويلة.
عصر الخديوي إسماعيل

في عام 1869، أنشأ الخديوى إسماعيل دار الأوبرا بميدان العتبة، بهدف تقديم عروض أوبرالية للملوك والأمراء الذين جاءوا لحضور حفل افتتاح قناة السويس، والذين أرد الخديوي إبهارهم بأوبرا مصرية لأول مرة، حيث لم يكن هذا الفن معروفًأ وقتها في مصر.
فطلب الخديوي من الموسيقار الإيطالي “فيردى” تأليف أوبرا عن التاريخي المصري، فقام بتأليف “أوبرا عايدة”، التي لم يكتمل تأليفها في الوقت المناسب، فاضطر الخديو لتقديم “أوبرا ريجوليتو”، وتم عرض “أوبرا عايدة” بعد ذلك.
ونظرًا لأن عروض الأوبرا كانت تقدم في هذا الوقت باللغة الإيطالية التي لم تكن منتشرة في مصر، تم إغلاق دار الأوبرا لفترة طويلة جدًا حتى تم ترجمة “أوبرا عايدة” للغة العربية وتقديمها للمصرين.
وأنشأ الخديوي في تلك الفترة مسرح آخر في حديقة الأزبكية، والذي يعد أول مسرح وطني، وقدمت فيه مسرحيات فرقة أبو خليل القباني عام 1885، وفرقة الشيخ سلامة حجازي عام 1905.
يعقوب صنوع

عرفت مصر المسرح بشكله العصري عام 1876، ويعود الفضل في ذلك للفنان يعقوب صنوع، الذي ترجم الكثير من الأدب العالمي، وأنشأ أول مسرح عربي في مصر، وقدم على خشبته خلال عامين 160 عرضًا مسرحيًا، مستعينًا بفرقة سليم النقاش ومارون النقاش المسرحية.
وقدم يعقوب صنوع العديد من المسرحيات أمام الخديوي إسماعيل في قصر النيل، منها البنت العصرية، غندورة مصر، والضرتين، والتي نالت إعجابه، لذلك أطلق الخديو لقب “موليير مصر” على يعقوب صنوع، نظرًا لتشابه أعمال مع ما قدمه الكاتب المسرحي الفرنسي “مولير”.
وكان ليعقوب صنوع رغبة في إصلاح الوضع السياسي في مصر، فقدم مسرحيات جريئة تسخر من الأمراء والنبلاء، وتنتقد الحكومة والخديوي إسماعيل، وكان أشهر تلك المسرحيات مسرحية “الوطن والحرية”، التي أثارت غضب الطبقة الحاكمة، فأمر الخديوي بإغلاق المسرح.
أبو خليل القباني

شهد المسرح المصري تطور كبير في نهاية القرن الـ19 وتحديدًا عام 1888، على يد أحمد أبو خليل القباني، الذي يعتبر رائد المسرح العربي والمسرح الغنائي، حيث ترك فكرة الترجمة والاقتباس من الروايات العالمية، وبدأ في تأليف الروايات المسرحية باللغة العربية.
وقدم مع فرقته العديد من المسرحيات الهامة التي أثرت تاريخ المسرح المصري، مثل عنترة بن شداد، هارون الرشيد، والأمير محمود نجل شاه العجم، وغيرهم.
القرن العشرين

عرفت مصر نوع جديد من الفن المسرحي في بداية القرن الـ20، وهو المسرح الغنائي، أو ما يسمى “الأوبريت”، والذي اعتمد على العروض الموسيقية الراقصة، التي اشتهر بها سلامة حجازي، وسيد درويش.
وفي هذا الوقت ظهر على الساحة رائد جديد من رواد المسرح وهو الفنان الكبير يوسف وهبي، الذي اهتم بالمسرح الدرامي الذي أسسه الفنان جورج أبيض، وقدم العديد من المسرحيات الناجحة في مصر والدول العربية.
وزادت المنافسة بعد ظهور المسرح الكوميدي ورواده من أمثال نجيب الريحاني وعلي الكسار، والذين حرصوا على تقديم كوميديا راقية وهادفة تمس المواطن المصري، مما زاد من المطالبات بإنشاء مسرح وطني مصري بعيدًا عن الأدب العالمي والمسرحيات المترجمة، فكانت بداية المسرح الوطني عام 1921.
ومع الوقت أخذ المسرح الشعري يفرض نفسه على الساحة، بعدما اتجه الأدباء والشعراء مثل أحمد شوقي، للتأليف المسرحي، فقدم مسرحيات هامة مثل مجنون ليلي، ومصرع كليوباتر وغيرهم. وأيضًا الأديب توفيق الحكيم بمسرحيات مثل أهل الكهف، وإيزيس.
ومع دخول منتصف القرن العشرين وتحديدًا في فترة الستينيات، بدأت الدولة تهتم بالفن ونشأ المسرح القومي، فظهرت العديد من الفرق المسرحية الكبيرة مثل فرقة المسرح القومي، وفرقة المسرح المصري الحديث.
وشهدت مصر وقتها ظهور مجموعة كبيرة من المؤلفين العظماء أمثال يوسف إدريس، سعد الدين وهبة، صلاح عبد الصبور، وعلي سالم، وغيرهم. وكذلك من المخرجين جلال الشرقاوي، سمير العصفوري، و كرم مطاوع.
القرن الحادي والعشرين

شهدت فترة تسعينات القرن الـ20 وبدايات القرن الـ21، سيطرة القطاع الخاص على المسرح، واهتم المنتجين بالمكسب المادي بدلًا من الاهتمام بتقديم فن راقي وهادف.
فظهر نوع من العروض المسرحية المسماة “كوميديا الفارس”، والتي تعتمد على كوميديا الموقف، وشعارها الضحك للضحك فقط، وهو ما كان مقبولًا في البدايه كنوع مختلف من المسرح.
ولكن مع زيادة سيطرة المنتجين ورجال الأعمال على المسرح الخاص، الذي استهدف طبقات معينة من الشعب ذات دخل اقتصادي مرتفع، واندثار المسارح الحكومية، أو مسارح عامة الشعب كما أصبح يطلق عليها.
زادت التوقعات بقرب اندثار فن المسرح من مصر نهائيًا، خاصة مع التطور التكنولوجي السريع، وظهور منصات إلكترونية استحوذت على اهتمام المصريين أكثر من المسرح وربما السينما أيضًا.