
خلال ما يزيد عن 110 عام، أنتجت السينما المصرية ما لا يقل عن 4 آلاف فيلم، بعضها لم يشاهده الجمهور مطلقًا، وبعضها منع من العرض في دور السينما لفترة طويلة، والبعض الآخر ما زال ممنوعًا من العرض التليفزيوني حتى يومنا هذا. تلك الأفلام لم تظهر للنور إما لأنها مخالفة للآداب العامة، وإما لاحتوائها على مشاهد معادية للأديان السماوية، وحتى أن بعضها منع من العرض لأسباب سياسية.
وإذا كانت الرقابة مرتبطة في ذهنك بالسينما فقط، فأنت مخطئ تمامًا، حيث ظهرت الرقابة في مصر قبل دخول السينما بعدة سنوات، وتحديدًا في عام 1881، حيث تم إصدار قانون خاص بالرقابة على المطبوعات. وفي عام 1904 تمت إضافة السينما إلى قانون الرقابة، أما المسرح فلم ينضم للقانون إلى في عام 1911.
وكانت الرقابة تتدخل في الأعمال الفنية سواء بتعديل المشاهد أو حذفها نهائيًا، كما تدخلت في بعض الأحيان لمنع أفلام كاملة من العرض. ورغم منع تلك الأفلام من العرض على شاشات السينما والتليفزيون، إلا أن بعضها وجد طريق آخر للانتشار عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي. وفي هذا المقال نستعرض لكم أبرز الأفلام التي منعت من العرض في مصر.
النبي محمد

اعتادت الرقابة أن تقف للأفلام بالمرصاد، حتى من قبل تصويرها وعرضها، وهو ما حدث مع فيلم “النبي محمد”، الذي حاولت شركة أجنبية إنتاجه عام 1926، واختارات لبطولته الفنان يوسف وهبي. إلا أنه بمجرد الإعلان عن توقيعه للعقد مع المخرج وداد عرفي، واجه يوسف وهبي معارضة شديدة وهجوم متواصل، وصل إلى حد المطالبة بإصدار فتوى بخروجه من الدين الإسلامي وسحب جنسيته وطرده من مصر.
وأعلنت الرقابة أن فكرة الفيلم تعرِضه للمنع لأن فيه انتهاك لحرمة الأديان السماوية. وكان هذا الفيلم سببًا في إصدار الأزهر لفتوى بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة. مما جعل يوسف وهبي يعتذر للشركة المنتجة عن المشاركة في الفيلم.
مأساة الحياة
يعد فيلم “مأساة الحياة” الذي تم إنتاجه عام 1929، أول فيلم تم منعه بالكامل من العرض في تاريخ السينما المصرية بناء على طلب الرقابة، وذلك بسبب المشاهد الجنسية والرقص الخليع. ورغم أن الفيلم كان صامتًا، وكان الحوار يكتب على الشاشة، إلا أن الجمل الحوارية كانت فاحشة. وهو ما دفع عبد السلام النابلسي -الذي كان يعمل ناقد فنيًا في هذا الوقت- للقيام بحملة صحفية للمطالبة بمنع عرض الفيلم، حتى استجابت له الرقابة.
وكان الفيلم من بطولة الممثل والمخرج المصري من أصل تركي وداد عرفي، والراقصة التركية إفرانز هانم. وتدور أحداثه حول راقصة لعوب تسعى لإيقاع شقيقين في حبها بهدف خداعهما للحصول على أموالهما
لاشين

في عام 1938 تم عرض فيلم “لاشين” وهو من إخراج الألماني فريتز كرامب، وبطولة حسن عزت وحسين رياض ونادية ناجي، ويدور الفيلم حول لاشين الذي يشغل منصب قائد الجيش، ويتميز بالعدل على عكس رئيس الوزراء الذي يتربح من موقعه على حساب الشعب، ويحاول لاشين أن ينبه الحاكم ضعيف الشخصية ذو العلاقات النسائية المعتددة، لما يفعله رئيس الوزراء، فيتم تلفيق تهمة للاشين، ويتم إيداعه في السجن.
وتم منع الفيلم من العرض بعدما أخبر السياسيون الملك فاروق أن الفيلم يقصده شخصيًا، فطلب من أحمد حسنين باشا رئيس الديوان أن يصدر قرارًا بوقف عرض الفيلم.
الشيخ حسن
تعرض فيلم “الشيخ حسن” للمنع من العرض ثلاث مرات، حيث تم عرضه في البداية بإسم “ليلة القدر”، وتناول الفيلم قصة الشيخ المتدين الذي يترك منزله بعد خلاف مع والده، ويتزوج من فتاة مسيحية رغم معارضة أسرتها. وهو من بطولة حسين صدقي وليلي فوزي وهدي سلطان. وقد تم منعه للمرة الأولى بسبب ما تردد عن تحريضه على الفتنة بين المسيحيين والمسلمين.
وبعد قيام ثورة 23 يوليو، طالب الفنان حسين صدقي بإعادة عرض الفيلم، إلا أنه لاقى الكثير من الاعتراضات مجددًا، فأمر الرئيس محمد نجيب برفع الفيلم من دور العرض. وفي عام 1954 أقدم حسين صدقي على إضافة بعض المشاهد الجديدة للفيلم، وتغيير اسمه إلى “الشيخ حسن”، ثم طلب التصريح بعرضه. ليقوم المركز الكاثوليكي المصري للسينما بالاعتراض مرة أخرى على عرض الفيلم، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يخشى أن يؤثر استمرار عرض الفيلم على شعبيته بين المسيحيين، لذلك أمر برفعه من دور العرض للمرة الثالثة، وظل الفيلم ممنوع من العرض حتى يومنا هذا.
أبي فوق الشجرة
عندما نذكر جملة ممنوع من العرض فإن فيلم “أبي فوق الشجرة” هو أول فيلم يخطرعلى البال. حيث أثار الفيلم الكثير من الجدل وقت عرضه ومنعته الرقابة بعدما ضرب الرقم القياسي في عدد القبلات التي ظهرت في فيلم واحد، حيث احتوى الفيلم على ما يزيد عن 50 قبلة بين أبطاله عبد الحليم حافظ ونادية لطفي وميرفت أمين.
وتدور أحداث الفيلم حول طالب جامعي يتعرف على راقصة في إحدى الملاهي الليلية وتقع في حبه وتقنعه بأن يعيش معها وتنفق عليه أموالها، وعندما يحاول والده إنقاذه من الضياع، يسقط مثله في نفس المستنقع، ولكن ينجح الابن في النهاية في إنقاذ والده من إحدى فتيات الليل في نفس الملهى الليلي. والفيلم من إنتاج 1969، وهو قصة الكاتب إحسان عبد القدوس.
غرباء
تطرق فيلم “غرباء” بجرأة شديدة للعديد من القضايا الدينية المسكوت عنها بسبب الخوف من إثارة البلبلة، واتخد طابعًا فلسفيًا لعدة ظواهر، منها التشدد الديني والصراع بين الإيمان والإلحاد. وقد تم منع الفيلم خوفًا من إثارة غضب الرأي العام، حيث رأى بعض النقاد أنه قد يدفع الشباب إلى الإلحاد.
فيلم “غرباء” من بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وعزت العلايلي وعماد حمدي، ومن إخراج سعد عرفة، وتم إنتاجه عام 1973. وهو ممنوع من العرض حتى يومنا هذا، ورغم وجود نسخة من الفيلم على مواقع الإنترنت، إلا أنها ليست النسخة الكاملة للفيلم، حيث تم حذف العديد من المشاهد.
حمام الملاطيلي
يعد فيلم “حمام الملاطيلي” الذي تم إنتاجه عام 1973، من أشهر الأعمال السينمائية التي منعت من العرض، حيث تدور قصته حول شاب يتعرف على فتاة ليل وتنشأ بينهما قصة حب ملتهبة. ويعمل الشاب في حمام الملاطيلي بالجمالية، ويتعرف عن قرب على عالم الشذوذ الجنسي، كما يقع في علاقة أثمة مع زوجة صاحب الحمام. والفيلم من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة شمس البارودي ويوسف شعبان ومحمد العربي.
وقامت الرقابة بمنع عرض الفيلم بسبب مضمونه المخل بالآداب العامة، واحتوائه على مشاهد خارجة، بجانب مناقشته لقضية المثلية الجنسية. وفي التسعينيات أجازت الرقابة عرض الفيلم في دور السينما مجددًا بعد أن تم حذف الكثير من المشاهد. إلا أنه ما زال ممنوعًا من العرض على شاشات التليفزيون حتى الآن.
المذنبون
تدور أحدث فيلم “المذنبون” حول جريمة قتل تكون ضحيتها ممثلة مشهورة، وتبدأ الشرطة في التحقيق مع كل من له صلة بالقتيلة، لتظهر علاقاتها المتفرعة بأشخاص ذوي نفوذ وسلطة كبيرة، ويتضح أن لكل منهم جريمة فساد لا تقل بشاعة عن القتل. وبسبب احتواءه على عدد كبير من المشاهد الجنسية الجريئة، بالإضافة لتناوله قضية الفساد في النظام، تم منع عرض الفيلم الذي هو من إخراج سعيد مرزوق وبطولة سهير رمزي وحسين فهمي وزبيدة ثروت وكمال الشناوي. والفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وتم إنتاجه عام 1975.
وتعرض جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لأزمة كبيرة وقتها، بسبب موافقته على عرض هذا الفيلم، حيث تمت إحالة رئيسة الجهاز أعتدال ممتاز إلى المعاش، وتحويلها و14 آخرين من الجهاز إلى المحكمة التأديبية العليا بأمر من الرئيس السادات، بتهمة الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة. كما تم إصدار قرار بتشديد القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، والذي اعتبره السينمائيون جريمة في حق السينما المصرية.
الكرنك

تناول فيلم “الكرنك” قضية الممارسات القمعية لأجهزة المخابرات، من خلال قصة مجموعة من الطلبة الجامعيين يتعرضون للاعتقال والتعذيب، ويتم إجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، كما يتم إجبار بعضهم على العمل كجواسيس داخل الجامعة لصالح أجهزة الأمن. والفيلم من ﺇﺧﺮاج علي بدرخان، وبطولة سعاد حسني ونور الشريف وكمال الشناوي وفريد شوقي وشويكار ومحمد صبحي، وتم إنتاجه عام .1975
وبسبب الفيلم، رفع صلاح نصر رئيس المخابرات السابق، دعوى قضائية مطالبًا بإيقاف عرضه بحجة تجسيد الفيلم لشخصيته من خلال دور رجل الأمن الذي قدمه الفنان كمال الشناوي. كما لاقى الفيلم أيضًا اعترض يوسف السباعي، وزير الثقافة وقتها، وطالب بحذف شخصية المثقف اليساري التي قام بها الفنان محمد صبحي. ولم يسمح بعرض الفيلم إلا بعد تغيير نهايته وحذف بعض المشاهد، ولكن تم عرض المشاهد الأصلية بعد موافقة الرئيس أنور السادات، بعد لقاءه بالسيناريست ممدوح الليثي.
خمسة باب
فيلم “خمسة باب” مقتبس عن الفيلم الأجنبي “إيرما لا دوس”، وهو من إنتاج عام 1983، وقام ببطولته عادل إمام ونادية الجندي وفؤاد المهندس، وأخرجه نادر جلال. وتدور أحداثه داخل حي البغاء في القاهرة، حيث يقاوم أحد رجال الشرطة الفساد والبلطجة داخل الحي، حتى يتم نصب فخ له ويفصل من عمله بالشرطة، فينضم لأحد أوكار الرذيلة حتى يساعد في القبض على بلطجي الحي.
ورغم حصول الفيلم على موافقة الرقابة، فقد تم منعه بعد 5 أيام فقط من عرضه في دور السينما، بقرار صادر من وزير الثقافة، بسبب إسائته لسمعة مصر وتضمنه مشاهد خادشة للحياء. وهو ما دفع منتج الفيلم إلى رفع قضية في المحاكمة وحصل على قرار بعرض الفيلم بعد 8 سنوات من عرضه الأول.
البريء
يعد فيلم “البرىء” للمخرج عاطف الطيب، والذي قام ببطولة أحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، وجميل راتب، وممدوح عبد العليم، وتم إنتاجه عام 1986، من أكثر الأفلام المصرية إثارة للجدل، حيث تناول الفيلم مفهوم الطاعة العسكرية من خلال مجند يلتحق بالقوات المسلحة، ويعمل في حراسة المعتقلات، ويتم إيهامه بأن كل من في المعتقل هم أعداء الوطن، كما يتم تعليمه الطاعة العمياء. حتى يتم القبض على صديقه وإيداعه في نفس المعتقل، فيرفض المجند تعذيب صديقه وتنكشف له الحقيقة ويندم على ما فعله بالمساجين الأبرياء، ويقرر الأنتقام، خاصة بعد قتل صديقه.
وقد واجه الفيلم اعتراض العديد من الجهات منها جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ووزارتي الدفاع والداخلية، وأصرت الرقابة على تغييرأحداث النهاية. وبالفعل عرض الفيلم بنهاية مختلفة، ولم يسمح بعرض النهاية الأصلية إلا بعد 19 عامًا، وذلك في افتتاح مهرجان السينما القومي عام 2005.
الراهب
يكشف فيلم “الراهب” عن طبيعة حياة الرهبان في الديانة المسيحية، والذين يعتزلون العالم ويعيشون بدون زوجة أو أولاد. وهو أحد الأفلام التي تم منعها حتى قبل انتهاء تصويره. ورغم موافقة الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية والبابا شنودة على عرض الفيلم، إلا أنه صدر قرار من الرئيس أنور السادات بمنع عرضه نهائيًا، مع تهديد جميع صناع الفيلم بالطرد خارج مصر في حالة استكمال التصوير، وذلك خوفًا من حدوث فتنة طائفة بين شرائح المجتمع، خاصة بعد الفتنة الطائفية التي حدثت في مصر بعد حادث “الخانكة” الشهير، الذي وقع عام 1972.