يصاب البعض بالحيرة عند سماع مصطلح “سينما المرأة”، حيث يدور في أذهانهم سؤال هل هي الأفلام السينمائية التي تتناول قضايا ومشكلات المرأة، أم الأفلام التي تصنعها النساء لطرح أرائهم وأفكارهم حول القضايا والمواضيع العامة.

وعند النظر للسينما المصرية، تظن للوهلة الأولى أنها تقوم بشكل كبير على  أدوار الرجل، الذي يعتبر المحرك الأول للأحداث، بينما تظهر المرأة في أدوارها مهمشة ضعيفة  وبشكل سلبي في معظم الأحيان. إلا إنك إذا تعمقت في تاريخ صناعة السينما ستجد أسماء العديد من النساء اللاتي لعبن دور كبير في تأسيس السينما المصرية. ولكن مع مرور الوقت تم تهميش دورهن لصالح الرجال، ومع ذلك ظلت بعضهن في محاولات مستميتة من أجل الاستمرار في تحسين صورة المرأة في السينما، وتناول القضايا التي تخصها.

عزيزة أمير.. صاحبة أول فيلم مصري

من أبرز هذه الأسماء عزيزة أمير، التي  أنشأت “ستوديو هليوبوليس”، وقدمت أول فيلم مصري في التاريخ، عام 1927، بعنوان “ليلى”، والذي قامت بكتابة السيناريو الخاص به بالإضافة إلى إخراجه وإنتاجه.

ولم تتوقف عزيزة أمير عند هذا الفيلم، وعلى الرغم من أنها لم تخرج بعده سوى فيلم “كفري عن خطيئتك” عام 1933، إلا أنها لم تكف عن الكتابة والإنتاج والتمثيل طوال 25 عامًا.

وبجانب دورها كرائدة في السينما المصرية، ساعدت عزيزة أمير غيرها من النساء على دخول المجال الفني، في وقت كان فيه عمل المرأة في السينما شيء غير مرحب به من قبل المجتمع، بإعتباره عملًا جريئًا لا يتناسب مع عادات وتقاليد الأسرة المصرية.

وتبعها في مسيرتها الفنية  آسيا داغر، التي أصبحت صاحبة تأثير لا يضاهى في صناعة السينما، بعد إنشائها شركة الإنتاج السينمائي “لوتس” التي استمرت مسيرتها لنصف قرن.

ولا يمكن أن نغفل أسماء أخرى لشخصيات نسائية مؤثرة مثل بهيجة حافظ، فاطمة رشدي، و ماري كويني، حيث قدمت كل منهن مجموعة من الأفلام التي كانت ذات هدف اجتماعي إيجابي.

فاتن حمامة.. مناصرة حقوق المرأة

لفترة طويلة انحسرت صورة النساء في الأعمال الفنية إما في دور الخادمة، و الراقصة، أو في دور الأم والفتاة الرقيقة التي تعيش قصة حب مع البطل.

إلا أن تلك الصورة اختلفت في فترة الخمسينات والستينات، وكان للفنانة القديرة فاتن حمامة دور في تحسين صورة المرأة في السينما، حيث ساهمت في طرح قضايا هامة تخص المرأة في العديد من أفلامها، مثل مناقشة عمل المرأة في “الأستاذة فاطمة” عام 1952، وقضايا الشرف في “دعاء الكروان” عام 1959، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية في “الباب المفتوح” عام 1963،  وقضية الأم التي تتحمل أعباء الاسرة بمفردها في “إمبراطورية ميم”.

وظهرت أيضًا في تلك الفترة مجموعة من الفنانات اللاتي قدمن أفلام تهم المرأة المصرية مثل ماجدة في “أين عمري” و”المراهقات”، ونادية لطفي  في “النظارة السوداء” و”للرجال فقط”، وشادية في “شئ من الخوف” و”مراتي مدير عام”، ولبنى عبد العزيز في “العيب” و”أنا حرة”.

إيناس الدغيدي.. المرأة لم تنصف نفسها

خلال فترة الثمانينيات، انحصرت أفلام المرأة في طرح مشاكل وهموم الطبقة المتوسطة والغنية، مثل فيلم “أحلام هند وكاميليا” و”العذراء والشعر الأبيض” و”الشقة من حق الزوجة” و”زوجة رجل مهم”. ليصبح الأمر أكثر سوءًا في أفلام المقاولات في فترة التسعينات، والتي أصبحت أفلام تجارية تعرض دورالمرأة بشكل سطحي، وتبتعد عن القضايا الاجتماعية التي تهم للنساء.

 فنجد إيناس الدغيدي بأفلامها التي تسيء إلى السيدات وتنتقص من دورهن في الحياة، وعلى الرغم من حرص إيناس الدغيدي في بداية مشوارها الفني على تقديم أعمال مناصرة للنساء، إلى حد النظر في تغيير بعض القوانين والأعراف في الدولة، مثلما حدث مع فيلم “عفوًا أيها القانون”، الذي ناقش قضايا الشرف وأحكامها القضائية التي تقضي بحكم مخفف في قضايا قتل الرجال لزوجاتهم في حال ضبطها متلبسة بخيانته، بينما الحكم بعقوبات مشددة قد تصل إلى الإعدام إذا كانت مرتكبة جريمة القتل هي الزوجة التي شاهدت زوجها متلبسًا بخيانتها.

ومع ذلك اقتصرت معظم أفلام إيناس الدغيدي على إبراز المرأة في أدوار الإغراء، مثل “لحم رخيص” و”دانتيلا” و”الوردة الحمراء”، بجانب أفلام المراهيقن مثل “ديسكو ديسكو” و”مذكرات مراهقة”.

ولا يمكن أن نتجاهل أفلام العشوائيات، التي شوهت دور المرأة تمامًا، من خلال إظهار علاقات مشوهة بين الرجل والمرأة، التي ظهرت وكأن فقرها واحتياجها للمال أو الآمان يدفعها دائمًا للتنازل عن شرفها ومبادئها، مثل أفلام “حين ميسرة” و”حلاوة روح”.

هل نجحت السينما الحديثة في إنصاف المرأة؟

ورغم اختلاف  الأراء حول مفهوم “سينما المرأة”، إلا أنه يمكننا الاتفاق على أن مناقشة قضايا المرأة ودورها في المجتمع لم تتطور مع مرور السنوات، بل على العكس ازدادت تدهورًا وضحالة، بالطبع مع بعض الاستثناءات بين فترة وأخرى، حيث حققت بعض الأفلام التي تدور حول النساء مثل فيلم “678” و”تيمور وشفيقة” و”احكي يا شهرزاد” مردوداً جيداً في شباك التذاكر، في حين أن أفلامًا أخرى، مثل “أسماء”  و”بنتين من مصر” و”فتاة المصنع” لم تحقق نجاحًا يذكر.

ورغم تلك المحاولات المستميتة من صناع السينما الحديثة في إنصاف المرأة، إلا أنها لم تأت بالنتائج المتوقعة منها، ولا زال أمامنا أشواطًا طويلة نقطعها حتى نستطيع التغلب على تلك الصورة المشوهة التي أصبحت عليها صورة المرأة في السينما المصرية خلال العقود الماضية.