يوافق يوم 17 أكتوبر ذكرى وفاة فنان الشعب يوسف وهبي، الذي رحل عن عالمنا قبل 39 عامًا. ويُعد يوسف وهبي أحد الرواد الأوائل في السينما والمسرح في مصر والوطن العربي. فقد ترك إرثًا كبيرًا من الأعمال الفنية الهامة. وأثرى السينما والمسرح العربي بالتمثيل والإخراج والتأليف وإنتاج الأعمال، لذلك لُقب بعميد المسرح العربي.

وخلال مشواره الفني الطويل الذي امتد أكثر من 60 عامًا عمل مع كبار نجوم الفن، وكان له الفضل في اكتشاف وتقديم العديد من المواهب، وحصد العديد من الجوائز والتكريمات، فقد منحه الملك فاروق الأول رتبة البكوية. وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1960، وجائزة الدولة التقديرية عام 1970. كما منحه بابا الفاتيكان وسام الدفاع عن الحقوق الكاثوليكية، ويعد أول مسلم يحصل على هذه الجائزة. وفي التقرير التالي نعرض لكم أبرز المحطات في حياة يوسف وهبي الفنية والشخصية.

ميلاده ونشأته

ولد يوسف عبد الله هديب وهبي قطب يوم 17 يوليو 1898 في مدينة الفيوم، حيث كان والده يعمل مفتشًا للرى، وكان يقطن في منزل يقع على شاطئ بحر يوسف، فقرر تسمية ابنه تيمنًا به. تلقى يوسف وهبي تعليمه الأول في كُتاب الشيخ العسيلي، وانتقل بعد ذلك بالمدرسة السعيدية بالجيزة، ثم بالمدرسة الزراعية بالقليوبية. وعندما بدأ اهتمامه بالتمثيل اعتبر والده ذلك وصمة عار وقام بطرده من المنزل، فسافر يوسف وهبي إلى الخارج ولم يعد إلى مصر إلا بعد وفاة والده.

يوسف وهبي والمسرح

جاءت البداية الفنية ليوسف وهبي بعدما شاهد فرقة الفنان اللبناني سليم القرداحي، فعشق التمثيل وبدأ مشواره بإلقاء المونولوجات وآداء التمثيليات بالنادي الأهلي والمدرسة، ثم سافر إلى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى لدراسة التمثيل على يد الممثل الإيطالي كيانتوني. وعاد إلى مصر عام  1921 وانضم للعمل في فرقتي حسن فايق وعزيز عيد، وأنشأ فرقة رمسيس المسرحية مع عدد من الممثلين الكبار، والتي قدمت أكثر من 300 مسرحية من الأدب العربي وكذلك الفرنسي والإيطالي والإنجليزي، فقد كان يطمح لتغيير الصورة النمطية للمسرح الاستعراضي والكوميدي، والاهتمام بالفن والمسرح الجاد. مما دفع الحكومة لتكليفه عام 1933 بتشكيل فرقتها المسرحية التي كانت أساس المسرح القومي فيما بعد.

أزمة فيلم النبي محمد

في عام 1926 أراد يوسف وهبي دخول عالم السينما وكان يستعد لتقديم شخصية النبي محمد، في فيلم من إنتاج شركة «ماركوس»، السينمائية الألمانية وبتمويل مشترك مع الحكومة التركية. وقام يوسف وهبي بتجهيز صور فوتوغرافية للشكل الذي سيظهر عليه وهو يؤدي شخصية النبي في الفيلم، وعندما تم نشر هذه الصور غضب الجمهور، وطلب شيخ الأزهر من وزارة الداخلية منع هذا الفيلم. وكاد الأمر يصل إلى سحب الجنسية المصرية من يوسف وهبي ومنعه من السفر. وأصدر الأزهر وقتها فتوى بتحريم تجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية. وبعد الهجوم الشديد الذي تعرض له، والذي وصل إلى حد اتهامة بالإلحاد والجنون، تراجع يوسف وهبي عن المشاركة في الفيلم، وقدم اعتذارللجمهور موضحًا أنه وافق على القيام بهذا الدور بهدف التعريف بالرسول الكريم والدين الإسلامي.

يوسف وهبي والسينما

رغم تأخر يوسف وهبي في دخول عالم السينما بسبب أزمة فيلم النبي محمد، إلا أنه قدم مجموعة من أوائل أفلام السينما المصرية. وأنشأ في 1930 شركة سينمائية باسم “رمسيس فيلم” بالاشتراك مع المخرج محمد كريم، وأنتج من خلالها أول فيلم مصري صامت بعنوان “زينب”. وفي عام 1932 أنتج فيلم “أولاد الذوات” وهو أول فيلم عربي ناطق والذي قام يوسف وهبي بتأليفه وبطولته. واتجه يوسف وهبي بعد ذلك لإخراج الأفلام إلى جانب تأليفها والتمثيل فيها فقدم أفلام مثل “الدفاع، المجد الخالد، ساعة التنفيذ”. وبعد ذلك قدم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأفلام السينمائية الناجحة، إلى جانب العمل المسرحي.

الثنائيات الفنية

كان يوسف وهبي من أوائل الفنانين الذين قدموا ثنائيات فنية مع زملاءهم، فقدم أشهر ثنائية فنية في تاريخ السينما المصرية مع الفنانة أمينة رزق، والتي بدأها عام 1932، واشتركا معًا في 11 فيلم من أهمها: “أولاد الذوات، الطريق المستقيم، أولاد الفقراء، برلنتي”. كما قدم ثنائية فنية مع الفنانة ليلى مراد بدأها في عام 1939، قدما خلالها 6 أفلام رائعة من أهمها: “ليلى بنت الريف، شادية الوادي، غزل البنات، ليلى بنت المدارس”. وفي عام 1946 تعاون مع الفنانة فاتن حمامة في ثنائية فنية جديدة، وقدما معًا 6 أفلام منها: “ملاك الرحمن، بيومي أفندي، الحب الكبير، كرسي الاعترف”.

فيلم منحه لقب البكوية

قدم يوسف وهبي فيلم “غرام وانتقام” وكان من إخراجه وتأليفه، وشاركه البطولة أسمهان وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم. ويعتبر هذا الفيلم واحد من أهم أفلام يوسف وهبي والسينما المصرية عمومًا. وعرض الفيلم لأول مرة في ديسمبر 1944، وحضر الملك فاروق لمشاهدته بسينما ريفولي بالقاهرة، وأثنى على الفيلم وأبدى إعجابه به حيث احتوت أحداث الفيلم على أوبريت غنائي حمل اسم “أنشودة الفن” والذي كان يمجد حكام الأسرة العلوية، فقرر الملك منح يوسف وهبي رتبة البكوية من الدرجة الثانية.

ومن وقتها ظل اسم يوسف وهبي يعرض في أفلامه حاملًا لقب “بك” حتى عام 1953 عندما قدم فيلم “بيت الطاعة”، ولأول مرة منذ عام 1944 يكتب اسم يوسف وهبي بدون هذا اللقب، وذلك بعد إلغاء الرتب المدنية بسبب قيام ثورة 23 يوليو.

الانتقال من الميلودراما إلى الكوميديا

حرص يوسف وهبي من خلال أعماله الفنية على الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والثقافي والأخلاقي للمجتمع المصري. وحملت مسيرته الفنية رسالة هادفة تمثلت في مناقشة القضايا الاجتماعية ونقد عيوب المجتمع ومشاكله ومحاولة تقديم حل لها. وإلى جانب ذلك قدم يوسف وهبي فيلم “بيت الطاعة” عام 1953، والذي جاء مختلفًا عن الشكل التقليدي لأفلامه السابقة، فكان الفيلم يميل إلى الطابع الكوميدي مبتعدًا عن الطابع الميلودرامي الذي اعتاد عليه. ليحقق نجاحًا كبيرًا في تلك النوعية من الأفلام، وقدم بعدها مجموعة من الأفلام الكوميدية والرومانسية الأكثر نجاحًا وشهرة مثل: “عهد الهوى، إشاعة حب، اعترافات زوج، شنبو في المصيدة، البحث عن فضيحة”.

يوسف وهبي والتليفزيون

في عام 1966 شارك يوسف وهبي في أول مسلسل تليفزيوني له في مسيرته الفنية، وهو مسلسل “العبقري” بطولة سعيد صالح وبوسي ومحمود المليجي. وقدم بعدها عدد من المسلسلات التلفزيونية ومنها: “كيف تخسر مليون جنيه، أيام لا تضيع، صيام صيام”.

آخر أعماله الفنية

وفي عام 1972 قدم يوسف وهبي آخر مسرحية له وهي مسرحية “بيومي أفندي” من تأليفه وإخراجه وبطولته بالاشتراك مع أمينة رزق ومدحت غالي وكريمة. وكانت مستوحاة من فيلم قدمه سابقًا بنفس الاسم. وفي عام 1975 قدم أخر دور بطولة له في فيلم “الرداء الأبيض” مع نجلاء فتحي وأحمد مظهر ومجدي وهبة وزهرة العلا، وقدم بعده عدم أفلام شارك فيها كضيف شرف أو شخصية ثانوية، وكان أخرها في عام 1982 حيث ظهر كضيف شرف في فيلم “السلخانة” من بطولة سمير صبري وعادل أدهم، وكان هذا آخر عمرل له في مسيرته الفنية قبل وفاته.

حياته الشخصية

تزوج يوسف وهبي 3 مرات ولم يُرزق خلالها بأي أبناء، وكان زواجه الأول أثناء دراسته بمعهد التمثيل في روما، حيث التقى بالممثلة الإيطالية إلينا لوند، وتزوج منها بعد قصة حب كبيرة، وعادت معه إلى مصر واستمر زواجهما 4 سنوات الي أن انفصلا عام 1925 بسبب غيرتها الشديدة. بعد ذلك تزوج يوسف وهبي من السيدة عائشة فهمي أغنى إمرأة في مصر، والتي كانت صديقة لعائلته حيث جمعت الصداقة بين والده عبد الله باشا وهبي ووالدها علي باشا فهمي، وكانت عائشة تكبره بـ16 عامًا، وانفصل عنها بسبب علاقاته الغرامية الكثيرة وانشغاله عنها بالفن والتمثيل. وكان الزواج الثالث والأخير له من السيدة سعيدة منصور، ورغم نزوات يوسف وهبي وخيانته لها إلا أنها كانت تتجاهل ذلك وتسامحه، واستمر زواجهما 40 عامًا حتى وفاته.

وفاة عميد المسرح

دخل يوسف وهبي مستشفى المقاولون العرب إثر إصابته بكسر في عظام الحوض بعد سقوطه في الحمام، وأثناء العلاج أصيب بأزمة قلبية مفاجئة، ليرحل عن عالمنا في 17 أكتوبر من عام 1982 عن عمر يناهز الـ84. وبعد مسيرة فنية طويلة امتدت أكثر من 60 عامًا، قدم خلالها 302 مسرحية، و60 فيلم، كما قام بتأليف 60 مسرحية و40 فيلم، وإخراج 185 مسرحية و30 فيلم، وإلى جانب ذلك تم اختيار 6 من أفلامه في قائمة  أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.