تحل يوم 26 ديسمبر، ذكرى وفاة الموسيقار والمطرب الكبير فريد الأطرش، الذي يعد من أفضل عازفي العود في تاريخ الموسيقى العربية. وأحد أعظم الموسيقيين في العالم أجمع. لذلك لُقب بـ “ملك العود” و”موسيقار كل الأزمان”. كما أطلق عليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لقب “الأستاذ”.

وكان لفريد الأطرش صوتًا مميزًا وأسلوبًا حزينًا فريد من نوعه، فلم يشهد العالم العربي أسلوبًا مماثلًا لأسلوبه، حيث ظل متمسكًا بقواعد الموسيقى العربية رغم ظهور التأثير الغربي على موسيقاه، فترك بصمات واضحة في الغناء، وأثرى الموسيقى العربية بأعذب الألحان. وقدم لتاريخ الفن العربي مكتبه زاخرة تضم 31 فيلمًا، و300 لحنًا غنائيًا، إلى جانب الموسيقى التصويرية والمقطوعات الموسيقية للعديد من الأفلام. وفي ذكرى وفاته نحصد لكم في السطور التالية أبرز المعلومات عن ملك العود، ولمحات من حياته الفنية والشخصية.

ميلاده ونشأته

ولد فريد فهد فرحان إسماعيل الأطرش يوم 21 أبريل من عام 1910، في بلدة القريّا بمنطقة جبل العرب أو ما يعرف بجبل الدروز في سوريا. والده هو أحد زعماء جبل الدوز، الذين عُرفوا بمحاربة الاحتلال الفرنسي ومواجهة الاستعمار. ووالدته هي الأميرة والمطربة علياء حسين المنذر، وله من والده 7 أشقاء.

وبسبب ملاحقة الفرنسيين لوالده، ونضاله السياسي الذي جعل جميع أفراد الأسرة معرضين للخطر، لم يعرف فريد الاستقرار في طفولته، حيث انشغلت أسرته بالفرار من العدو باستمرار، فسافر فريد مع والدته وشقيقه فؤاد وشقيقته آمال، التي أصبحت فيما بعد المطربة أسمهان، إلى لبنان ومنها إلى مصر، هربًا من قوات الاحتلال الفرنسي. وتغيير لقب عائلته من الأطرش إلى كوسا. وحُرم فريد من والده، وبعد فترة انقطعت أخبار الأب ولم يعرفوا إن كان قُتل أم وقع في الأسر.

وفي مصر درس فريد الأطرش بمدرسة الخرنفش الفرنسية. وفي هذا الوقت شارك في حفل لتكريم الثورة السورية، والذي لفت أنظار المجتمع الفني لأداؤه، لكنه عندما أفصح عن هويته الحقيقية كأحد أفراد عائلة الأطرش، قامت المدرسة الفرنسية بفصله. والتحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، ثم دخل معهد الموسيقى، وتتلمذ على يد الملحن الشهير رياض السنباطي.

فريد الأطرش والغناء

أعجب رياض السنباطي بفن فريد الأطرش، وساعده في العمل بالإذاعة المصرية، حيث تم تعيينه في البداية كعازفٍ للعود في الأوركسترا، ثم طلب بعدها من مدحت عاصم، مدير قسم الموسيقى الشرقية فى الإذاعة، السماح له بالغناء، ليسجل فريد أغنيته الأولى “يا ريتني طير لأطير حواليك”، وأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الأسبوع حيث استعان بفرقة موسيقية وبأشهر العازفين أمثال أحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس وغيرهم، وعمل على تزويد الفرقة بآلات غربية إضافة إلى الآلات الشرقية، ثم سجل أغنية ثانية هي “بحب من غير أمل”.

وخلال مشواره الفني قدم فريد الأطرش عددًا كبيرًا من الأغنيات والقصائد التي لاقت شهرة ونجاحًا واسعًا، ومن أشهرها: “أنا كنت فاكرك ملاك، لحن الخلود، تؤمر عالراس وعالعين، بساط الريح، جميل جمال، حبينا، الربيع، زينة، ساعة بقرب الحبيب، فوق غصنك يا لمونة، أوراق الشجر، متحرمش العمر منك، يا أبو ضحكة جنان، طال غيابك، ياريتني طير، أضنيتني بالهجر، روحي فداك، أول همسة”.

كما لحن لكبار المطربين والمطربات مثل أسمهان، صباح، فايزة أحمد، وردة الجزائرية، ليلى مراد، سعاد محمد، نور الهدى، محرم فؤاد، فهد بلان، ومحمد رشدي.

فريد الأطرش والسينما

بدأ المشوار الفني لفريد الأطرش في السينما المصرية مع مطلع الأربعينات، بفيلم “انتصار الشباب”، الذي وضع له الألحان والموسيقى التصويرية. وقام ببطولته مع شقيقته أسمهان. ليشارك بعد ذلك في 31 فيلمًا سينمائيًا مع أشهر النجوم والفنانين. وأنتجت هذه الأفلام في الفترة ما بين عام 1941 وحتى عام 1974. وكان أشهرها “حبيب العمر، أحبك أنت، عفريته هانم، آخر كدبة،” مع سامية جمال. و”لحن الخلود، حكاية العمر كله، الحب الكبير” مع فاتن حمامة. و”ودعت حبك، أنت حبيبي” مع شادية. و”بلبل أفندي، لحن حبي، إزاي أنساك” مع صباح. و”رسالة غرام، عهد الهوى، ماليش غيرك، يوم بلا غد” مع مريم فخر الدين.

الغناء بالفرنسية

عُرف عن فريد الأطرش تمسكه بالغناء باللغة العربية، إلا أنه ولمرة واحدة خلال حياته قرر الغناء باللغة الفرنسية في سبيل دعم فلسطين وآلاف المواطنين المشردين بسبب العدوان الإسرائيلي. حيث تلقى في أحد الأيام رسالة من مواطن جزائري يدعي نايف الوهراني، يخبره فيها أن تأثير الأغنية على الجماهير أقوى بكثير من الخطبة أو المقال وأنه لو استطاع فريد الأطرش أن يقدم أغنية عن فلسطين باللغة الفرنسية، فإنه سيكون قد قدم لهذه القضية خدمة كبيرة، وأرسل كلمات الأغنية مع تلك الرسالة.

 وبالفعل وافق فريد الأطرش على الغناء باللغة الفرنسية من أجل تقديم تلك القضية الهامة للعالم أجمع. وتمكن بصوته المميز من أن يروي قصة الصهيونية ومطامعها واغتصابها لحق الفلسطينيين في أراضيهم. وقرر فريد أن يتم تسجيل الأغنية في باريس على أسطوانات، على أن تقوم هيئة من الأحرار الجزائريين بتوزيع الأغنية في أوروبا وأمريكا.

علاقات عاطفية متعددة

جمعت قصص حب كثيرة بين فريد الأطرش والعديد من السيدات، كان أولها مع فتاة تدعى مديحة، وهي صديقة شقيقته أسمهان، وتنتمي لعائلة ارستقراطية ثرية. والتي وجد فيها فريد مواصفات فتاة أحلامه، لكنها كانت شديدة الغيرة وتطارده في كل مكان يذهب إليه، فقرر إنهاء هذه العلاقة. وأعلن بعدها عن إعجابه بالراقصة سامية جمال، التي كانت سبب إنهاء علاقته بحبه الأول، حيث وقع في حبها منذ لقائهما الأول في بروفات الرقص الخاصة بأحد الأغاني ضمن فيلمه الأول “انتصار الشباب”. ورغم أن قصة حبهما استمرت 11 عامًا، إلا أنها انتهت دون زواج، بعدما نافسه على حبها الملك فاروق. وعندما أعلن فريد أن رفضه الزواج من سامية يعود لكونه ينتمي لعائلة من الأمراء ولا يستطيع الزواج براقصة، وهو ما اعتبرته سامية إهانة لها، فقررت قطع علاقتها الشخصية والفنية معه.

كذلك جمعت قصة حب قصيرة مع الفنانة ليلى الجزائرية، التي تعرف عليها محمد عبد الوهاب في باريس واتفق معها على أن يقدمها في أفلامه، فسبقه فريد بالسفر إليها ووقع معها عقد احتكار، وأعطاها دور البطولة في بعض الأفلام. وطلب منها الزواج عرفيًا، لكنها شعرت بعقدته من الزواج فرفضت الارتباط به وقررت إنهاء عقدها معه. لتأتي بعدها قصة حبه مع الملكة ناريمان، والتي جمعته بها علاقة صداقة قوية منذ غنائه في حفل زفافها على الملك فاروق، وبعدما انفصلت عن الملك تحولت مشاعر فريد من الصداقة إلى الحب، وقرر التقدم للزواج منها. لكنه فوجئ بوالدتها تُصرح في لقاءات صحفية أنه أساء استغلال معاملتهن له، وأنه مجرد مطرب يعجبون بصوته. فشعر فريد بالصدمة، وأصيب بذبحة صدرية كانت مقدمة لرحلته الطويلة مع المرض. ثم ربطته قصة حب أخرى بالفنانة شادية التي وقفت بطلة أمامة في فيلمين، ولكن بسبب عدم اتخاذه خطوات جدية في علاقته به، فضلًا عن سفره المستمر إلى الخارج وحياة السهر التي كان يعيشها في أوروبا، قررت الزواج من صديقه عزيز فتحي.

قصة حب أخيرة وزواج عرفي

كان معروفًا عن فريد الأطرش أنه كان يفصل حياة العزوبية والحرية، ويهرب من الارتباط والزواج. حتى عام 1973، حيث جاء الارتباط الرسمي الوحيد في حياة فريد الأطرش عندما أعلن خطبته للسيدة سلوى القدسي التي كانت تصغره بأكثر من 30 عامًا. والتي التقى بها في لبنان، ونشأت بينهما علاقة صداقة تحولت إلى قصة حب كبيرة في أيامه الأخيرة، خاصة وأنها لم تتركه خلال محنته المرضية. وكانت سلوى القدسي قد أعلنت بعد وفاته عن زواجهما بعقد زواج عرفي واحتفاظهما به سرًا حتى يعود فريد الأطرش من رحلة العلاج الأخيرة في لندن، حيث كان فريد ينوي توثيق هذا العقد وإعلان خبر زواجهما بمجرد عودته إلى القاهرة ولكن القدر لم يمهله. وجاء إعلان سلوى القدسي عن الزواج العرفي عندما  إلى لجأت إلى القضاء المصري لإثبات صحة عقد زواجها من فريد بعد دخولها في خلافات مع باقي الورثة على التركة.

جوائز وأوسمة

نال فريد الأطرش العديد من الأوسمة والنياشين طوال حياته تكريمًا له على مشواره الفني، وبلغ عددها 15 وسامًا وقلادة، من أهمها وسام ميدالية الخلود الذهبية كموسيقار عالمي من فرنسا. ووسام  الكوكب الأردني برتبة فارس من الملك حسين عام 1955. ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى عام 1964. كما أهداه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي عام 1970.

ونال فريد الأطرش جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون من مصر. وتم منحة جائزة ملك العود كأعظم عازف علي العود في العالم عام 1962 من تركيا. بالإضافة إلى وسام الاستقلال اللبناني، ووسام شجرة الأرز اللبناني، وقلادة الجمهورية اللبنانية، ووسام المغرب من الملك محمد الخامس، ووسام المغرب من الملك الحسن الثاني، ووسام الاستقلال الكويتي. كذلك حصل على العديد من الأوسمة من مختلف الدول العربية ومنها السودان والجزائر وتونس والإمارات والبحرين واليمن والسعودية.

مرضه ووفاته

في عام 1957 أُصيب فريد الأطرش بجلطة في الشريان التاجي، مما جعل العديد من الأطباء يتوقعون وفاته في غضون خمس سنوات على الأكثر، ولكنه عاش بعد إصابته 17 عامًا. وعانى من تدهور حالته الصحية قبل وفاته بسنوات، بسبب رفضه نصيحة الأطباء له بالراحة والابتعاد عن بذل أي مجهود، خاصة بعدما تعرض لانسداد في الشرايين وأصيب بتضخم في عضلة القلب. ليرحل ملك العود عن عالمنا يوم 26 ديسمبر من عام 1974. وجاءت وفاته في لبنان عقب إصابته بأزمة قلبية مفاجأة، نقل على أثرها إلى المستشفى، ولكنه فارق الحياة عن عمر ناهز 64 عامًا. وتم نقل جثمانه للقاهرة، ليدفن بجوار شقيقته الراحلة أسمهان كما أوصى.