
تحل يوم 27 ديسمبر الذكرى رقم 111 لميلاد الفنان محمود المليجي. الذي يعد واحدًا من أكبر الفنانين في مصر والوطن العربي. عٌرف بتلقائيته وموهبته الاستثنائية في تجسيد الشخصيات المختلفة، حيث تنوعت أدواره بين الأكشن والتراجيدي وكذلك الكوميدي. إلا أن أكثر ما برع فيه هو جسيد أدوار الشر التي أضفى عليها طابعه الخاص، فتركت بصمة مميزة عند الجمهور الذي لقبه بـ “شرير السينما المصرية”. كما أطلق عليه النقاد العرب لقب “أنتوني كوين الشرق” بسبب براعته في تجسيد شخصيته في فيلم “القادسية”. وهي نفس الشخصية التي أدها الفنان الأمريكي “أنتوني كوين” في النسخة الأجنبية من الفيلم. وفي ذكرى ميلاده دعونا نسلط الضوء على قصة حياته وأبرز محطات مسيرته الفنية المميزة.
ميلاده ونشأته

ولد محمود حسن المليجي يوم 27 ديسمبر من عام 1910 في حي المغربلين بالقاهرة. لأسرة ترجع أصولها لقرية مليج بمحافظة المنوفية. ثم انتقل مع أسرته إلى حي الحلمية. التحق بالمدرسة الثانوية الخديوية والتحق بفرقة التمثيل بالمدرسة وتدرب فيها على يد كبار الفنانين أمثال جورج أبيض وأحمد علام وعزيز عيد.
بدايته الفنية

جاءت البداية الفنية لمحمود المليجي في بداية الثلاثينيات، عندما شاهدته الفنانة فاطمة رشدي في عرض مسرحي بعنوان “الذهب” وأعجبت بموهبته وعرضت عليه الانضمام إلى فرقتها. وقدم معها العديد من العروض الفنية حيث كان يؤدي أدوار صغيرة في البداية، إلا أنه قرر ترك المدرسة لعدم قدرته على التوفيق بين الدراسة والعمل في المسرح. ثم رشحته فاطمة رشدي ليشاركها بطولة فيلم سينمائي بعنوان “الزواج على الطريقة الحديثة” والذي يعد أول ظهور له في السينما. إلا أن فشل الفيلم جعله يترك الفرقة وينضم إلى فرقة رمسيس بقيادة الفنان يوسف وهبي. والتحق فيما بعد بفرقة إسماعيل ياسين، وبعدها فرقة تحية كاريوكا، ثم فرقة المسرح الجديد. ليقدم الكثير من المسرحيات الناجحة أهمها: “يوليوس قيصر، حدث ذات يوم، الولادة، علي بك الكبير، الحرافيش، صاحب الجلالة، يا الدفع يا الحبس، اللص الشريف، انتهى الدرس يا غبي، زبائن جهنم”.
وجاءت البداية السينمائية الحقيقية لمحمود المليجي في عام 1936، عندما شارك أمام السيدة أم كلثوم في فيلم “وداد”. ثم اختاره المخرج إبراهيم لاما للمشاركة في فيلم “قيس وليلى” عام 1939.
مشواره الفني

يعد محمود المليجي الممثل الأكثر مشاركة في أعمال فنية في تاريخ الفن المصري، بعدما تجاوزت أعماله 700 عملًا فنيًا، تنوعت بين السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة. حيث شارك فيما يقرب من 350 فيلمًا سينمائيًا، تم تصنيف 21 فيلمًا منهم ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. ومن أشهر أفلامه: “صلاح الدين الأيوبي، كليوباترا، غرام وانتقام، سفير جهنم، غزل البنات، أمير الانتقام، رصيف نمرة 5، وا إسلاماه، الناصر صلاح الدين، غروب وشروق”. كما قدم للتلفزيون العديد المسلسلات الناجحة ومنها: “أنف وثلاث عيون، القط الأسود، الهاربان، قطار منتصف الليل، أحلام الفتى الطائر، الأيام، صيام صيام، عمرو بن العاص، مارد الجبل، حصاد العمر”.
الإنتاج السينمائي واكتشاف المواهب الجديدة

لم يكتفِ محمود المليجي بدخول عالم الفن من بوابة التمثيل فقط، فطرق مجال الإنتاج السينمائي أيضًا. حيث أراد المساهمة في النهوض بالذوق العام للجمهور، والإرتقاء بمستوى الإنتاج الفني، ومحاربة الأفلام الساذجة. فقدم مجموعة من الأفلام من إنتاجه منها: “الملاك الأبيض، الأم القاتلة، سوق السلاح، ألو.. أنا القطة، مدينة الصمت، الرعب، أبو الليل، المبروك”.
وبجانب ذلك امتلك المليجي موهبة التأليف، فقام عام 1948 بكتابة سيناريو وحوار وقصة فيلم “المغامر” والذي أنتجه وشارك في بطولته أيضًا، وصنف كأول فيلم دراما بوليسية في السينما المصرية. وقدم بعده العديد من الأفلام من تأليفه ومنها: “الأم القاتلة، وعد، سجين أبو زعبل، المبروك”.
كما عُرف عن محمود المليجي اهتمامه باكتشاف وتنمية المواهب المميزة، حيث قدم للسينما العديد من الوجوه الجديدة ومنها تحية كاريوكا، فريد شوقي، حسن يوسف، محسن سرحان.
المليجي ويوسف شاهين

في عام 1970، أبدع محمود المليجي في القيام بشخصية الفلاح المصري “محمد أبو سويلم” في فيلم “الأرض” للمخرج يوسف شاهين، والذي يعد نقطة تحول في حياته الفنية. وقد أشاد يوسف شاهين بتلقائية المليجي وبراعته في أداء الدور، لذلك أسند إليه أدوارًا أخرى في العديد من الأفلام ومنها: “الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية”.
ثنائية الطيب والشرير

رغم ظهورهما في الأفلام كأعداء متنافسين، جمعت بين محمود المليجي وفريد شوقي علاقة صداقة قوية. حيث شكلا معًا ثنائية ناجحة استمرت لعقود. قدم خلالها المليجي في أغلب الأفلام شخصية الشرير بينما لعب شوقي دور الطيب الشجاع. ومن أشهر أعمالهما معًا: “أبو الدهب، فتوات الحسينية، الفتوة، سوق السلاح، مطلوب زوجة فورًا، بطل للنهاية، ابن الحتة، عصابة الشيطان، حميدو، المصيدة، سواق نص الليل”.
وقد تسبب المليجي في إصابة فريد شوقي بعاهة مستديمة أثناء تصوير مشهد مشاجرة جمعتها في فيلم “سوق السلاح” عام 1960، حيث اندمج المليجي” في تأديته للمشهد وأصاب شوقي بكسر في إصبعه “الخنصر”، وحاول الأطباء فيما بعد إقناع بعلاجه عن طريق كسر الإصبع مرة أخرى لتصحيح الكسر الأول، ولكنه رفض.
تهديده بقتل ابنه

تعرض محمود المليجي لموقف غريب وكوميدي في نفس الوقت، وذلك عندما تلقى في أحد الأيام رسالة تهديد من مجهول، يطلب منه مقابلته أمام سينما “بيجال” ودفع مبلغ 5 آلاف جنيه، وإلا سيقوم بخطف ابنه وقتله. فذهب المليجي إلى قسم شرطة الجزيرة وحرر محضرًا، وبعدها أكد للضابط أنه لن يقوم بدفع المبلغ، مما أثار دهشة الضابط خوفًا منه على الابن. ليقول له المليجي: “خليهم يخطفوه”. وهو الرد الذي زاد من دهشة الضابط الذي سأل في حيرة: “إزاي؟”، ليرد المليجي ضاحكًا: “أصل أنا ماعنديش أولاد”.
دفن شقيقته حية

حكى محمود المليجي في مذكرته أحد المواقف الصادمة التي تعرض لها في حياته، عندما اكتشف بالصدفة أنه قد قام بدفن شقيقته حية. حيث كانت شقيقته تعاني من المرض لمدة 20 عامًا ثم توفيت وقام بدفنها بنفسه. وعندما ذهب بعد سنوات إلى المقابر لدفن أحد أقاربه، تفاجأ عندما فتح المقبرة بوجود جثة شقيقته في مكان آخر غير الذي دفنها به. وعندها تأكد بأنها كانت في غيبوبة، وكانت على قيد الحياة عندما دفنها.
زواجه

تزوج محمود المليجي 4 مرات، لم ينجب خلالها أي أبناء. كانت الزيجة الأولى من الفنانة علوية جميل عام 1939، واستمر زواجهما حتى وفاته. ونظرًا لشخصيتها القوية تمكنت من إفساد أي زواج آخر له. ومنها زواجه الثاني من السيدة فوزية الأنصاري، والتي كانت تعمل في فرقة أم كلثوم. حيث أجبرت علوية جميل المليجي على طلاقها في اليوم الثالث من الزواج، وتكرر الأمر عندما تزوج المليجي للمرة الثالثة من السيدة درية أحمد، والتي كانت تعمل في فرقة إسماعيل ياسين، وبعد شهر أجبرته علوية على طلاقها. أما الزيجة الرابعة والأخيرة فكانت في السبعينيات، حيث تزوج المليجي من الفنانة سناء يونس، واتفق معها أن يكون زواجًا سريًا لا يعلم به أحد، رغبةً منه في عدم إغضاب علوية جميل. وقد وافقت سناء يونس أن يطلق عليها لقب عانس السينما وهي متزوجة في السر حتى تحافظ على اتفاقها مع محمود المليجي. وكشف الناقد طارق الشناوي أنها رفضت إعلان الخبر حتى بعد وفاة محمود المليجي حفاظًا على مشاعر زوجته الأولى، وتنازلت في سبيل ذلك عن ميراثها منه. ولم تعلن عن زواجها من محمود المليجي إلا بعد وفاة علوية جميل.
جوائز وتكريمات

كان محمود المليجي عضوًا في الرابطة القومية للتمثيل، ثم عضوًا في الفرقة القومية للتمثيل. كما عُين عضوًا في مجلس الشورى عام 1980. وحصل على العديد من الجوائز منها وسام العلوم والفنون عام 1946، ووسام الأرز من لبنان عن مجمل أعماله الفنية في نفس العام. كما حصل على الميدالية الذهبية للرواد الأوائل، وجائزة الدولة التشجيعية في التمثيل عام 1972، وكذلك شهادة تقدير في عيد الفن عام 1977، تقديرًا لجهوده ودوره البارز في مجال الفن.
وفاته

رحل محمود المليجي عن عالمنا يوم 6 يونيو من عام 1983 عن عمر يناهز 72 عامًا، إثر نوبة قلبية مفاجئة داهمته عندما كان يستعد لتصوير آخر مشاهده في فيلم “أيوب”. حيث جلس يشرب فنجان قهوة مع عمر الشريف ومجموعة من العاملين في الاستوديو. وبدأ يتحدث عن الحياة والموت والنوم والاستيقاظ، ثم مال برأسه على كتف عمر الشريف وكأنه دخل في نوم عميق، وظن الجميع أنه يقوم بتمثيل مشهد، وعندما طال الأمر حاولوا إيقاظه من النوم، ليجدوا أنه فارق الحياة.