
تحل يوم 17 ديسمبر ذكرى ميلاد واحدة من أهم رواد السينما في مصر والعالم العربي. الفنانة عزيزة أمير التي استطاعت بإرادتها القوية أن تساهم في صناعة وتأسيس السينما المصرية. وأصبحت مؤسسة سينمائية مستقلة، فهي لم تكتف بأن تكون أشهر نجمات المسرح والسينما، بل لم تترك شيئًا يخص السينما لم تفعله. فكانت أول سيدة تقوم بتأسيس شركة إنتاج، وقامت بتأليف الأفلام، وهي أول مخرجة في الوطن العربي، حتى أنها مارست مهنة المونتاج. كما كانت أول سيدة تحصل على أولى الجوائز للعاملين بالسينما من وزارة المعارف. لذلك قال عنها طبعا حرب أنها حققت ما لم يستطع الرجال أن يحققوه. واستحقت بجدارة الألقاب التي أطلقها عليها الجمهور والنقاد وهي “سيدة السينما الأولى” و”أم السينما”. وفي ذكرى ميلادها دعونا نتعرف على قصة عزيزة أمير، وإسهاماتها البارزة في السينما المصرية.
ميلادها ونشأتها

ولدت مفيدة محمود غنيم، وهو الاسم الأصلي للفنانة عزيزة أمير، في 17 ديسمبر من عام 1901. في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وبعد وفاة والدها انتقلت مع أسرتها إلى الإسكندرية لتقضي بها طفولتها، ثم انتقلت إلى حي السيدة زينب بالقاهرة. ورغم التحاقها بالمدرسة إلا أنها لم تكمل تعليمها، نظرًا للظروف المادية الصعبة لأسرتها. ومع ذلك استطاعت تعلم اللغة الفرنسية ومبادئ الموسيقي.
في عام 1920 وعندما كانت عزيز أمير في التاسعة عشرة من عمرها، سافرت إلى فرنسا للعمل مع صديقة لها. والتقت هناك بأحد كبار أعيان الصعيد وهو قليني باشا فهمي. الذي تولى رعايتها وساعدها، وقام بتقديمها إلى مدير إحدي شركات السينما في باريس. حيث أجرت اختبارات التمثيل وتم قبولها، وكادت أن تصبح ممثلة في السينما الفرنسية. ولكنها أرادت السفر إلى ألمانيا أولًا لعلاج مرض قديم خافت أن يعيقها في طريقها للنجومية والشهرة. وبعد تلقيها العلاج لعدة شهور عادت إلي باريس ومنها إلى مصر. تنفيذًا لرغبة أسرتها التي طالبتها بالعودة، خاصة بعدما تخلت عنها صديقتها الفرنسية ورفضت مساعدتها.
بدايتها الفنية

رغم عشقها للسينما إلا أن البداية الفنية لعزيزة أمير كانت في المسرح. وذلك من خلال انضمامها لفرقة رمسيس المسرحية برئاسة الفنان يوسف وهبي، الذي اختار لعزيزة أمير اسمها الفني. وكان أول ما قدمته هو مسرحية “الجاه المزيف” عام 1925. وجاء انضمامها للفرقة من خلال كذبة بدأت بها عزيزة حياتها الفنية. حيث ادعت أنها فتاة ثرية من الطبقة الأرستقراطية، عندما كانت تقوم باختبارات الأداء أمام يوسف وهبي، إلا أنها اعترفت له بالحقيقة لاحقًا.
في العام التالي، انتقلت عزيزة إلى فرقة أولاد عكاشة، وقدمت العديد من المسرحيات. وتنقلت بعدها بين أشهر الفرق المسرحية في هذا الوقت، مثل فرقة نجيب الريحاني وفرقة التمثيل العربي، لتعود في النهاية إلى فرقة رمسيس. وعند إنشاء الفرقة القومية المصرية عام 1935، لعبت دور البطولة في مسرحية الافتتاح “أهل الكهف”.
اقتحام عالم السينما

في عام 1926 التقت عزيزة أمير بالمخرج والممثل التركي وداد عرفي، والذي أقنعها بدخول مجال الإنتاج. فقررت تأسيس شركة سينمائية خاصة بها، أطلقت عليها اسم “ايزيس فيلم”. وانتجت فيلمها الأول الذي كانت نسخته الأولى بعنوان “نداء الله”. وبسبب خلافها مع مخرج الفيلم وبطله وداد عرفي، الذي قدم لها نسخة غير مكتملة ومشوهة من الفيلم. قامت عزيزة أمير بحذف مشاهده واستبداله بأحمد علام، وأدخلت بعض التعديلات على سيناريو الفيلم. ليُعرض الفيلم في نسخته الثانية عام 1927 بعنوان “ليلى”. والذي يعد أول فيلم صامت طويل تم إنتاجه في السينما المصرية بأيادي مصرية خالصة تمثيلًا وتأليفًا وإخراجًا وإنتاجًا.
مشوارها الفني

واصلت عزيزة بعد ذلك إخراج وإنتاج وتأليف وتمثيل الأفلام، وامتد مشوارها الفني 28 عامًا، قامت خلالها بالتمثيل فيما يقرب من 20 عمل منها: “بسلامته عايز يتجوز، بائعة التفاح، حبابة، نادية”. كما قامت بتأليف 16 عمل منهم: “ابنتي، طاقية الإخفاء، قسمة ونصيب”. أما فيما يخص الإنتاج، فقد أنتجت 26 عمل كان أشهرها: “وادي النجوم، البني آدم، شمعة تحترق، هدية، أخلاق للبيع”.
وكان آخر أفلامها “آمنت بالله”، والذي تم عرضه في دور السينما بعدما تعرضت بعض فصول نسخته الأصلية للاحتراق في حريق القاهرة في يناير 1952. ونظرًا لوفاة عزيزة أمير، لم تتمكن من إعادة تصوير مشاهدها، فقام المخرج بعمل بعض التعديلات، ليتم عرض الفيلم في شهر نوفمبر من نفس العام، وقد وُضعت باقة زهور كبيرة في مكان البطلة.
أول فيلم عن القضية الفلسطينية

كانت السينما بالنسبة لعزيزة أميرة فن راقي وهادف، لذلك كانت أول من قام باستخدام السينما لخدمة القضايا القومية والوطنية. من خلال إنتاج أول فيلم يتحدث عن القضية الفلسطينية تحت عنوان “فتاة من فلسطين”. وقامت بنفسها بكتابة قصة وسيناريو الفيلم الذي أخرجه وقام ببطولته محمود ذو الفقار، بالاشتراك مع سعاد محمد وحسن فايق وزينب صدقي، وتم عرضه في نوفمبر 1948. كذلك قامت عزيزة أمير ببطولة فيلم “نادية” عام 1949، مع زوجها محمود ذو الفقار وشادية وشكري سرحان وصلاح نظمي، ومن إخراج فطين عبد الوهاب، وقصة يوسف جوهر.
الخوف من الحسد

عُرف عن عزيزة أميرة خوفها الشديد من الحسد، وإيمانها بالحظ والتفاؤل والتشاؤم. حتى أنها كانت تلجأ لبعض الطقوس الغريبة، قبل عرض أفلامها السينمائية للتخلص من الحسد وتحقيق النجاح. حيث حضرت العرض الخاص لأول فيلم قامت بإنتاجه وكانت تضع تحت ملابسها مجموعة كبيرة من الأحجبة. أحدهم لمنع الحسد، والثاني حتى يُعجب الجمهور والنقاد بالفيلم، والآخر لمنع أهل زوجها من إحراق دار السينما كما هددوا، بسبب رفضهم عملها وزوجها في السينما والأفلام، والأخير حجاب لينال الفيلم إعجاب طلعت حرب حتى يمدها بالمال لإنتاج أفلام أخرى. وعندما تحققت كل أمنيات عزيزة أمير بخصوص الفيلم، حرصت على عدم حضورها أي عرض لأفلامها إلا وهى تحمل هذه الأحجبة تحت ملابسها. وحدث ذات مرة عند حضورها العرض الخاص لفيلم “كفري عن خطيئتك” أن نسيت عزيزة أمير الحجاب الخاص بأهل زوجها. وفى نفس الليلة أخبرها زوجها أن أسرته خيرته بين تطليقها أو حرمانه من الميراث، وبالفعل اختار تطليقها في نفس الليلة.
ولم يقتصر الأمر مع عزيزة أمير على الأحجبة الخاصة بها، بل امتد أيضًا لقطتها “سمبو” التي كانت تتفائل بها وتخاف عليها من الحسد. فقامت بإلباسها سلسة بها خرزة زرقاء اعتقادًا منها بأنها ستحميها من الحسد.
حياتها الشخصية وأزواجها

تعددت الأقاويل حول عدد زيجات عزيزة أمير، حيث قيل أنها تزوجت في سن التاسعة عشر من أحد الرجال الأثرياء وهو على الأغلب قليني باشا فهمي، الذي اصطحبها معه إلى فرنسا، وساعدها في بداية مشوارها الفني،. ولكن هذه الزيجة لم تستمر طويلًا بسبب فارق السن بينهما، كما أنه كان متزوجًا من أخرى وله أبناء. وبعدها تزوجت من أحمد الشريعي، الثري الصعيدي وعمدة مدينة سمالوط، عام 1927. ولكنه قام بتطليقها نزولًا على رغبة أسرته. فقررت الانتقام منه، وتزوجت من شقيقه مصطفى الشريعي في عام 1933. ولكنها طلبت منه الطلاق بعد 7 سنوات بسبب زواجه من امرأة أخرى. أما زيجتها الأخيرة فكانت عام 1944 من محمود ذو الفقار، والذي قدمته عزيزة لأول مرة كممثل في فيلم “بائعة التفاح” الذي كان بداية قصة الحب التي جمعت بينهما. وقاما معًا بتأسيس شركة إنتاج عرفت باسم “شركة أفلام عزيزة”. أما فيما يخص الأبناء، فقد رُزقت عزيزة أمير بطفل واحد ولكنه توفي بعد الولادة بعدة ساعات، ولم ترزق بأي أطفال بعد ذلك. وكانت تقول دائمًا أنها أنجبت ابنه واحدة هي السينما، لذلك لقبت بـ “أم السينما المصرية”.
حوادث غريبة

تعرضت عزيزة أمير للعديد من الحوادث التي كادت تودي بحياتها، الأول عندما كانت تسافر عبر الطريق الزراعي في طريقها من القاهرة إلى الاسكندرية وانحرفت سيارتها فجأة عن الطريق في اتجاه ترعة عميقة، ونجت من الموت بأعجوبة. والحادث الثاني كان أثناء تواجدها في جولة بالقارب في مياه النيل، وعلى غير العادة خرجت أمواج عالية تسببت في امتلاء القارب بالماء، وكادت عزيزة تغرق لولا أن انقذها الناس.
وفاتها

في مطلع عام 1952، أصيبت عزيزة أمير بمرض عضال جعلها غير قادرة على الحركة، وعانت آلام شديدة غير مبررة. واقترح زوجها محمود ذو الفقار أن تسافر إلى فرنسا للمتابعة مع الأطباء والحصول على العلاج. وبعد رحلتها العلاجية عادت عزيزة أمير إلى القاهرة، وابتعدت عن الوسط الفني لمدة شهرين ظلت تعالج خلالهما بالمسكنات. إلا أن رحلت عن عالمنا صباح يوم 28 فبراير من نفس العام، عن عمر ناهز الـ 51 عامًا. ليظل شغفها بالفن ملهمًا لكل صناع السينما الذين جاءوا بعدها.