تحل يوم 25 نوفمبر ذكرى ميلاد الفنانة أسمهان، التي خطفت قلوب الجماهير بجمال وجهها وابتسامتها الرقيقة وصوتها العذب. وتنبأ لها الجميع بمستقبل عظيم، ولكن خابت تنبؤاتهم وانتهت مسيرتها الفنية مبكرًا. ورغم سنوات عمرها القليلة ومسيرتها الفنية القصيرة، إلا أنها حجزت لنفسها مكانة كبيرة بين النجوم، وأصبحت واحدة من كلاسيكيات الفن المصري والعربي. ونظرًا لكونها سليلة عائلة من الأمراء، فقد ورثت منهم الإمارة، لذلك أطلق عليها النقاد لقب “أميرة الغناء والطرب” و”أميرة الجبل”. وفي ذكرى ميلادها نستعرض معكم في هذا التقرير أبرز المحطات في حياة أسمهان الفنية والشخصية.

مولدها ونشأتها

ولدت أسمهان، واسمها الأصلي أمال فهد إسماعيل الأطرش، يوم 25 نوفمبر من عام 1912، على متن باخرة، متجهة من تركيا لبيروت. وهي شقيقة الفنان فريد الأطرش، ووالدها أمير درزي من جبل الدروز في سوريا، أما والدتها الأميرة علياء المنذر فكانت درزية لبنانية. والتي اضطرت بعد قيام الثورة السورية الكبرى، إلى الهروب بأبنائها من سوريا، فسافرت لمصر حيث أقامت في منطقة الفجالة، ومرت بظروف قاسية اضطرتها للعمل كمطربة في الأفراح والحفلات الخاصة، حتى تستطيع تربية أبنائها.

بدايتها الفنية

جاءت البداية الفنية لأسمهان عندما كان الموسيقار الكبير داوود حسني في زيارة لمنزل الفنان فريد الأطرش، واستمع لغنائها بالصدفة وأعجب بصوتها. وهو الذي قرر تغيير اسمها، فأطلق عليها اسم “أسمهان” والذي يعود لمطربة ماتت في ريعان شبابها قبل أن تشتهر. وفي عام 1931 بدأت أسمهان تغني مع أخيها في كازينو “ماري منصور” بشارع عماد الدين، وبدأت تشتهر ويسطع نجمها في سماء الأغنية العربية. واعتبرها البعض منافسة قوية لـ أم كلثوم. ولكنها اعتزلت الفن لعدة سنوات، بسبب زواجها وعودتها لسوريا.

ثلاثة أزواج أحدهما زواج عرفي

امتثلت أسمهان لتقاليد عائلتها في الزواج، وتزوجت من ابن عمها، الأمير حسن الأطرش، في 1934. بناءً على رغبة شقيها الأكبر فؤاد، الذي كان على خلاف معها بسبب رفضه عملها في الفن مع شقيقهما الفنان فريد الأطرش. وانتقلت أسمهان إلى سوريا لتستقر في جبل الدروز مع زوجها، وتصبح أميرة الجبل لمدة 6 سنوات، رزقت خلالها بابنتها الوحيدة “كاميليا”. ولكن نشبت الخلافات بينهما وحدث الانفصال، فعادت إلى مصر. وفي عام 1941 تعرفت أسمهان على المخرج أحمد بدرخان وتزوجته عرفيًا بسبب القوانين المصرية التي كانت تمنع أي مأذون شرعي من تزويج مصري بأجنبية. وسرعان ما انهار الزواج سريعًا، وانتهى بالطلاق بعد 40 يومًا فقط. أما أخر أزواجها فهو المخرج أحمد سالم، وتزوجا أثناء تواجدهما في زيارة لمدينة القدس. ويقال أنها رغبت في الزواج منه حتى تتمكن من استعادة الجنسية المصرية التي فقدتها عندما تزوجت الأمير حسن الأطرش. ولكن بسبب تمردها واستقلاليتها، رفضت أسمهان القيود التي فرضها عليها، ونشبت الخلافات بينهما بسبب غيرته المبالغ فيها. وفي أحد الأيام دار خلاف حاد بينهما، وأشهر أحمد سالم السلاح في وجهها، مما جعلها تطلب الشرطة لإنقاذها منه، ثم وقع الطلاق بينهما.

التعاون مع المخابرات البريطانية

في عام 1941 تعاونت أسمهان مع المخابرات البريطانية، بعدما طلب منها مسئولون في الحكومة البريطانية المساعدة في إسقاط حكومة فيشي الفرنسية الموالية للألمان. وذلك عن طريق استغلال أصلها الدرزي في إقناع زعماء جبل الدروز بعدم التعرض للجيوش البريطانية، والسماح بدخول قواتها إلى سوريا ولبنان، مقابل تعهد بريطانيا بتحريرهما. وبمساعدة زوجها السابق حسن الأطرش، استطاعت أسمهان تنفيذ المهمة الموكلة إليها. لتكتشف بعد ذلك خدعة بريطانيا التي قررت تقسيم سوريا ولبنان على قوات الحلفاء. وعندها اتهمت أسمهان بالخيانة من قبل أسرتها وبلادها، فأرادت الانتقام لكرامتها عن طريق الاتصال بالألمان للاتفاق على إنزال القوات الألمانية على الساحل السوري للقضاء على قوات الحلفاء. إلا أن المخابرات البريطانية تعقبتها، وألقت القبض عليها ووضعتها في الإقامة الجبرية في بيروت، حتى تمكنت أسمهان من الهروب إلى القدس ثم عادت إلى القاهرة.

دخولها عالم السينما

عادت أسمهان لمصر بعد انفصالها عن زوجها الأول عام 1939، لتعود إلى حياة الفن. وساعدتها الشهرة التي حققتها كمطربة في دخول عالم السينما والتمثيل. فقدمت عام 1941 أول أفلامها “انتصار الشباب” الذي قامت بالتمثيل والغناء فيه بمشاركة شقيقها فريد الأطرش. وقدما خلاله أوبريت “ليلة في الأندلس”، وهو أول أوبريت غنائي عرفته السينما المصرية.

ظهور جثمانها في فيلم

في عام 1944 قدمت أسمهان فيلمها الثاني والأخير “غرام وانتقام” بالاشتراك مع عمالقة الفن يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم. وقدمت  فيه مجموعة من أحلى أغانيها، ومنها “إمتى حتعرف” و”ليالي الأنس في فيينا”. وقد توفيت أسمهان في حادث غامض قبل انتهاء تصوير الفيلم. مما اضطر يوسف وهبي لإحضار ممثلة بديلة لاستكمال تصوير المشاهد المتبقية. كما أنه أصر على إظهار الجثمان الحقيقي لـ أسمهان في آخر مشهد من الفيلم، قبل دفنها.

تنبأت بمكان وفاتها

رحلت أسمهان عن عالمنا يوم 14 يوليو من عام 1944، عن عمر ناهز 32 عامًا. وحمل لغز وفاتها الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام. ويقال أنها تنبأت بمكان وفاتها عندما مرت به قبل أربع سنوات من الحادث، وشعرت بالرعب عندما سمعت صوت محركات آلة الري البخارية بجوار الترعة، فقالت لصديقها الصحفي محمد التابعي رئيس تحرير مجلة “آخر ساعة”، والذي كان يرافقها وقتها: “كلما سمعت مثل هذه الدقات اتخيل أنها دفوف جنازة، واشعر أن الموت قريب مني”.

أما عن تفاصيل حادث وفاتها فيعود لوقت تصويرها فيلم “غرام وانتقام” في صيف عام 1944، حيث طلبت من منتج الفيلم وبطله، الممثل يوسف وهبي، السفر إلى رأس البر لتمضية فترة من الراحة. وسافرت أسمهان في صباح يوم الجمعة 14 يوليو برفقة صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة، وفي الطريق، وتحديدًا قرب  مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، انحرفت السيارة وفقد السائق السيطرة عليها، وسقطت في ترعة الساحل، ولقت أسمهان وصديقتها حتفهما، أما السائق فلم يصب بأذى واختفى تمامًا بعد الحادثة.

لغز الوفاة الغامضة

ترددت الكثير من الشائعات حول حادث وفاة أسمهان، وتوجهت أصابع الاتهام نحو العديد من الجهات والأشخاص، حيث فسر البعض وفاتها بأنها حادث اغتيال سياسي دبره أحد طرفي الحرب العالمية الثانية، نظرًا إلى الدور السياسي الذي لعبته في إحدى فترات حياتها مع الألمان والإنجليز. بينما اتهم البعض زوجها الثالث أحمد سالم، خاصة وأنه سبق وأطلق عليها النار قبل طلاقهما. وهناك من اتهم شقيقها فؤاد الأطرش، وزوجها الأول حسن الأطرش، حيث كانا على خلاف معها بسبب جموحها وتمردها. كما طالت الشائعات أم كلثوم، وأنها دبرت الحادث بسبب رغبتها في إزاحة أسمهان من طريقها بعدما أصبحت منافسة قوية لها. وإلى الآن لم يكشف النقاب عن لغز موت أسمهان، رغم مرور ما يقرب من 80 عامًا على الحادث.