تحل يوم 7 ديسمبر ذكرى رحيل الموسيقار عمار الشريعي، الذي رحل عن عالمنا عام 2012، تاركًا موسيقاه العظيمة شاهدة على إبداعه، الذي أعطى بعدًا أخر للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية، ووصلت إلى خشبة المسرح. حيث كان من أهم صناع الموسيقى التصويرية في العالم العربي. ورغم وفاته، ظلت ألحان أعماله الفنية عالقة في ذاكرة المصريين، يحفظونها ويرددونها عن ظهر قلب.

عُرف الشريعي بامتلاكه موهبة كبيرة لن تتكرر، أهلته ليضع اسمه وسط كبار الفنانين الموسيقيين في مصر والعالم العربي. وأبدًا لم يكن فقدانه البصر عائق أمام طموحاته الكبيرة، فضرب مثالًا يحتذى به في الكفاح من أجل الوصول لهدفه. واستطاع بقدراته الموسيقية العظيمة أن يجمع بين الأصالة والحداثة، ليقدم نوع جديد من الموسيقى عبرت عن أجيال سابقة، وكانت منارًة للأجيال التالية. لذلك اعتبره الكثيرون عمدة الموسيقيين، ولقبه محبيه بـ”غواص بحر النغم”. وفي ذكرى وفاته نستعرض معكم أهم محطات حياته وإنجازاته الفنية.

ميلاده ونشأته

ولد عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي يوم 6 أبريل من عام 1948 في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا. تعود أصول أسرته لعائلة هوارة بالصعيد. وكان والده عضو بالبرلمان المصري بعد ثورة 23 يوليو. وشقيقه الأكبر محمد كان سفير مصر الأسبق بأستراليا. أما جده لوالده، محمد باشا الشريعي، فكان نائب بالبرلمان المصري في عهد الملك فؤاد الأول. وكان جده لوالدته، مراد بك الشريعي، رائد من رواد ثورة 1919.

جاء عمار الشريعي إلى القاهرة في سن الخامسة، والتحق بمدرسة لرعاية المكفوفين، حيث تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار، في إطار برنامج أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصًا للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى. وفي عام 1970 تخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة عين شمس.

بدايته الفنية

نشأ عمار الشريعي محبًا للموسيقى منذ كان في الثالثة من عمره. وتأسس فيها تأسيسًا قويًا سواء بالدراسة العلمية لعلوم الموسيقى، أو الممارسة العملية بالعزف على الاكورديون والبيانو والعود والأورج. وتعرف خلال فترة دراسته على الموسيقار كمال الطويل والموسيقار بليغ حمدي. بعد تخرجه من الجامعة عمل عازفًا على آلة الاكورديون في بعض الفرق الموسيقية. ثم بدأ في العزف على الأورج وأصبح أحد أبرز عازفي جيله.

بعد ذلك اتجه إلى التلحين والتأليف الموسيقي، وكان أول ألحانه أغنية “امسكوا الخشب” للفنانة مها صبري عام 1975. والتي لاقت نجاحًا كبيرًا. وبدأ  الشريعي في تلحين تترات المسلسلات عندما أسند إليه المخرج نور الدمرداش وضع الموسيقى التصويرية لمسلسل “بنت الأيام”، لتكون بداية استخدام العود والموسيقى التصويرية التي تعبر عن المضمون الدرامي في المسلسلات المصرية .

مشواره الفني

تجاوزت ألحان عمار الشريعي الـ 150 لحنًا لمعظم مطربي ومطربات مصر والوطن العربي. وتميز بوضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الفنية، والتي نال معظمها شهرة كبيرة، وحصل العديد منها على جوائز على الصعيدين المحلي والعالمي. حيث تجاوز عدد أعماله السينمائية 50 فيلمًا، وأعماله التليفزيونية 150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعيًا، و10 مسرحياتٍ غنائية استعراضية. كما قام بالغناء بصوته في عدد من الأعمال الفني منها: أغاني فيلم البريء، رباعيات داخلية في مسلسل الأيام وريا وسكينة، تتر البداية والنهاية لفيلم كتيبة إعدام ومسلسل عصفور النار.

ومن أشهر أعماله الموسيقية في السينما: البرئ، البداية، حب في الزنزانة، أرجوك أعطيني هذا الدواء، كراكون في الشارع، أحلام هند وكاميليا، القبض على بكيرة وزغلول، كتيبة الإعدام، يوم الكرامة، وحليم.

ومن أشهر أعماله الموسيقية في التلفزيون: الأيام، بابا عبده، أديب، دموع في عيون وقحة، رأفت الهجان، فاطمة، أرابيسك، الراية البيضا، الشهد والدموع، زيزينيا، ذو النون المصري، امرأة من زمن الحب، أم كلثوم، حديث الصباح والمساء، أبو العلا البشري، نصف ربيع آخر، حلم الجنوبي، أوبرا عايدة، شيخ العرب همام، حدائق الشيطان، العندليب، محمود المصري، ريا وسكينة، أحلام عادية وبنت من شبرا.

أما أشهر أعماله الموسيقية في المسرح فهي: رابعة العدوية، الواد سيد الشغال، علشان خاطر عيونك، إنها حقًا عائلة محترمة، والحب في التخشيبة.

المواهب الجديدة

عُرف عمار الشريعي باهتمامه باستكشاف ورعاية المواهب الجديدة ومنها هدى عمار وريهام عبد الحكيم ومي فاروق وآمال ماهر، وأحمد علي الحجار. وفي عام 1980، شكّل فرقة “الأصدقاء” والتي ضمت ثلاث مواهب غنائية مميزة هم منى عبد الغني وحنان وعلاء عبد الخالق، وكان لها صدى كبير في هذه الفترة. وقدمت العديد من الأغاني التي ناقشت مشاكل المجتمع وأهم قضاياه.

كما اهتم اهتمامًا كبيرًا بأغاني الأطفال، وقام بعمل أغاني لاحتفالات أعياد الطفولة تحت رعاية السيدة سوزان مبارك لمدة 12 عامًا متتالية. وتولى في الفترة ما بين عام 1991 وحتى عام 2003 وضع الموسيقى والألحان لاحتفاليات أكتوبر التي تقيمها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزارة الإعلام.

ابتكاراته وإنجازاته الفنية

قام عمار الشريعي بتأليف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا ومتتالية على ألحان عربية معروفة، وعزفهما مع أوركسترا عمان السيمفونى عام 2005. وشارك بالتعاون مع شركة ياماها اليابانية في استنباط ثلاثة أرباع التون من الآلات الإلكترونية. كما شارك بالتعاون مع شركة إميولتور الأمريكية في إنتاج عينات من الآلات التقليدية والشعبية المصرية والعربية.

كذلك ابتكر العديد من الإيقاعات والضروب الجديدة. وأعاد صياغة وتوزيع العديد من المقطوعات الموسيقية والأغنيات. وساهم مع مؤسسة دانسنغ دوتس Dancing Dots الأمريكية في إنتاج برنامج بعنوان جود فيل Good Feel، والذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة برايل للمكفوفين.

جوائز وتكريمات

حصل عمار الشريعي على العديد من الجوائز والتكريمات على المستويين المحلي والعالمي، نذكر منها:

  • جائزة مهرجان فالنسيا، إسبانيا، عام 1986 عن موسيقى فيلم البريء.
  • جائزة مهرجان فيفييه، سويسرا، عام 1989.
  • وسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان، عامي 1992 و2005.
  • وسام التكريم من الطبقة الأولى من الملك عبد الله بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
  • العديد من جوائز الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والمركز الكاثوليكي للسينما ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عن الموسيقى التصويرية من عام 1977 حتى عام 1990.
  • جائزة الحصان الذهبي لأحسن ملحن في إذاعة الشرق الأوسط لسبعة عشر عاماً متتالية.
  • جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2005.

حياته الشخصية وزواجه

ظل عمار الشريعي متخوفًا من فكرة الزواج طوال فترة شبابه، واتخذ قرارًا بعدم الارتباط، حتى استضافته الإعلامية ميرفت القفاص في برنامجها “البرنامج الأوربي” عام 1988، وكان وقتها في الأربعين من عمره. وقد شعر بالحب نحوها، وطلب الزواج منها. وبعد صداقة دامت 3 سنوات، تقدم لخطبتها وتزوجا عام 1991. وفي عام 1998 رزقا بابنهما الوحيد الذي اسمياه “مراد”.

وفاته

عانى عمار الشريعي من مرض القلب في شبابه، وفي عام 2011 بعد مشاركته في ثورة 25 يناير أُصيب بإجهاد شديد وتعرض لأزمة صحية، نُقل على إثرها للمستشفى. حيث أجرى قسطرة للقلب وجراحة لإزالة مياه من الرئة. وظل بالمستشفى عدة أشهر حتى أصيب بأزمة قلبية ورحل عن عالمنا يوم الجمعة الموافق 7 ديسمبر من عام 2012، عن عمر جاوز الـ 64 عامًا.