
تحل يوم 26 ديسمبر، الذكرى المئوية لميلاد ناظر مدرسة الكوميديا، الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي، الذي تميز بخفة ظله وتعددت أدواره ما بين الكوميدية والتراجيدية. فهو “المدبوليزم” صاحب مدرسة تمثيل وإخراج خاصة، و”بابا عبده” الذي عرف بأدوار الأب الحنون. ترك بصمته المميزة في تاريخ السينما المصرية، وأسر قلوب ملايين المشاهدين في مصر والوطن العربي. ليظل رمزًا للكوميديا الراقية، وتظل أعماله الفنية الخالدة ترسم الضحكة على وجوه محبيه، رغم مرور سنوات طويلة على وفاته. وفي ذكرى ميلاده، نستعرض معكم قصة حياته ومحطات من مسيرته الفنية.
ميلاده ونشأته

ولد عبد المنعم مدبولي حسن يوم 28 ديسمبر من عام 1921، في حي باب الشعرية بالقاهرة. توفى والده بعد ولادته بأشهر قليلة لتتولى والدته وحدها مسؤولية تربيته هو وأشقاءه. ظهرت موهبته التمثيلية مبكرًا، حيث تم ترشيحه خلال المرحلة الابتدائية ليقود الفرقة المسرحية بالمدرسة. تخرج من كلية الفنون التطبيقية وعمل بها أستاذ في قسم النحت حتى منتصف السبعينيات، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي عام 1945. وبعد تخرجه عام 1949 انضم إلى فرقة جورج أبيض ثم فرقة فاطمة رشدي. وبدأ مدبولي حياته الفنية في البرنامج الإذاعي الشهير “ساعة لقلبك”، كما شارك بالتمثيل في برامج الأطفال بالإذاعة ضمن حلقات برنامج “بابا شارو”.
المسرح والفرق المسرحية

شارك عبدالمنعم مدبولي في أول عمل مسرحي له مع فرقة المسرح المصري الحديث التي أسسها زكي طليمات. ثم بدأ بنفسه في تأسيس فرق مسرحية متعددة، كانت أولها تحمل اسم المسرح الحر عام 1952، وقدم من خلالها مسرحيات مثل: “الأرض الثائرة، حسبة برما، خايف أتجوز، مراتي نمرة 11، كوكتيل العجائب”. وفي عام 1963 أسس فرقة المسرح الكوميدي التي قدم من خلالها أبرز العروض المسرحية وهي: “أنا وهو وهي، حلمك يا شيخ علام، المفتش العام، السكرتير الفني، دسوقي أفندي، أصل وصورة، مطرب العواطف، جلفدان هانم”.
بعد ذلك شارك مدبولي في تكوين فرقة الفنانين المتحدين عام 1966، والتي قدمت عدة مسرحيات منها: “البيجاما الحمراء، الزوج العاشر، العيال الطيبين”. ثم انفصل عن الفرقة عام 1973 ليكوّن في عام 1975 فرقته الخاصة تحت اسم المدبوليزم، وقدم من خلالها مسرحيات ناجحة. ومنها: “راجل مفيش منه، يا مالك قلبي، مولود في الوقت الضائع، مع خالص تحياتي، حمار ما شالش حاجة”. ليبلغ رصيد مسرحياته طوال مشواره الفني 120 مسرحية.
السينما والتلفزيون

جاء انضمام عبدالمنعم مدبولي لعالم السينما متأخرًا قليلًا، حيث بدأ مشواره السينمائي عام 1951 وكان أول أفلامه هو “في الهوا سوا” ليقدم بعده سلسلة من الأفلام الناجحة والأدوار المختلفة، والتي ظلت عالقة في ذاكرة الجمهور حتى يومنا هذا. ووصل عدد الأفلام التي شارك فيها مدبولي إلى 150 فيلمًا، نذكر منها: “الحفيد، مولد يا دنيا، إحنا بتوع الأتوبيس، ربع دستة أشرار، عالم مضحك جدًا، مطاردة غرامية، مدرسة المشاغبين، بين السما والأرض، مليونير رغم أنفه، شاطىء المرح، حب في الزنزانة، المليونير المزيف، أشجع رجل في العالم”. وكان آخر أعماله السينمائي هو فيلم “أريد خلعًا” مع الفنان أشرف عبد الباقي، والذي ظهر فيه كضيف شرف، إلا أن دوره كان مميزًا وله أثرًا كبيرًا في أحداث الفيلم.
أما التليفزيون فقدم فيه عبد المنعم مدبولي 30 مسلسلًا دراميًا، منهم: “اتنين تحت الصفر، عالم عم أمين، وداعًا يا ربيع العمر، الزواج على طريقتي، لا يا ابنتي العزيزة، وأبنائي الأعزاء.. شكرًا” وهو المسلسل الذي قدم خلالة شخصية “بابا عبده” والذي أصبح أحد ألقابه بعد عرض المسلسل وتحقيقه نجاحًا جماهيريًا كبيرًا. كذلك قدم فوازير “جدو عبده زارع أرضه”. وكان مسلسل “الكلام المباح” آخر ما شارك فيه من أعمال تليفزيونية عام 2005. بالإضافة إلى ذلك قدم مدبولي ما يقرب من 22 مسلسلًا إذاعيًا منها: “الدجال، أنا وهي وبس، هيام وفارس الأحلام”.
فنان شامل

كان عبدالمنعم مدبولي فنانًا شاملًا ومبدعًا في أكثر من مجال فني وليس التمثيل فقط. ومن ضمن تلك الفنون الرسم والنحت، فكانت تقام له الكثير من المعارض للوحاته الفنية وأعماله النحتية. وتم وضع بعض لوحاته في رئاسة الجمهورية وفي وزارة الثقافة، كما شارك في إصلاح لوحات قصر المانسترلي. بالإضافة إلى ذلك فقد أثرى مدبولي السينما والتلفزيون والمسرح بإضافاته الفنية كمؤلف ومخرج، فضلًا عن التأليف الموسيقي والغناء، وتسجيل عدة إعلانات بصوته. ودائمًا ما افتخر مدبولي بتلك المواهب الشاملة، وشبه نفسه بشارلي شابلن الذي يكان قوم بنفس هذه المهمات.
فإلى جانب أدائه المميز على المسرح كممثل، قام بإخراج العديد من مسرحياته الشهيرة ومنها: “مع خالص تحياتي، مدرسة المشاغبين، السكرتير الفني، مطار الحب، نمرة 2 يكسب، لوكاندة الفردوس، مطرب العواطف”. وقام أيضًا بإخراج مسرحيات لزملائه الفنانين مثل: “حواء الساعة 12، أنا وهي وسموه، أنا وهو وهي” لفؤاد المهندس وشويكار. و”حلمك يا شيخ علام، أجمل لقاء في العالم” لأمين الهنيدي. و”البلدوزر، الواد النمس” لمحمد نجم. كما قام بتأليف وكتابه العديد من الأفلام السينمائية، ونذكر منها: “ربع دستة أشرار، العتبة جزاز، المليونير المزيف، شنطة حمزة، غرام في أغسطس، اقتلني من فضلك، أنا وهو وهي، غراميات امرأة”.
الغناء للأطفال

اشتهر عبدالمنعم مدبولي بحبه الكبير للأطفال ولذلك حرص على إسعادهم من خلال الشاركة بالغناء في حفلات عيد الطفولة، وتقديم العديد من أغاني الأطفال في أفلامه ومسلسلاته. والتي حُفرت داخل وجدان كل أطفال مصر لعقود طويلة، وظلت خالدة في ذاكرة التلفزيون والسينما المصرية. وكان يحرص على اختيار الكلمات التي تحمل رسالة هامة أو معلومة مفيدة للأطفال. ومن أشهر تلك الأغاني “توت توت، والشاطر عمر” اللتان قام بغنائهما ضمن أحداث مسلسل “أبنائي الأعزاء.. شكرًا” وهما من من كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي. وأغنية “حلقاتك برجالاتك” من فيلم “الحفيد”.
وهذا النجاح الكبير لأغاني مدبولي التي قدمها للأطفال جعله يقدم عددًا من الأغاني الأخرى التي لاقت نجاحًا كبيرًا. وتأتي في مقدمتها أغاني فيلم “مولد يا دنيا” وهما “يا صبر طيب” من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل، و”زمان وكان ياما كان” وهي من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان علي إسماعيل. كما شارك الفنانة الراحلة شادية في أغنية “حبك جننا” من مسرحية “ريا وسكينة” والذي كان من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان بليغ حمدي، وأغنية “شبكنا الحكومة” من كلمات بليغ حمدي وألحان محمد حمزة.
ألقاب متعددة

اشتهر عبدالمنعم مدبولي، منذ عام 1962 بلقب “المدبوليزم” كناية عن أسلوبه المميز وطريقة أدائه المميزة في التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي. حيث كان يتمتع بأسلوب خاص وكان أول فنان كوميدي يرتجل على المسرح، وكانت هذه الطريقة جديدة في هذا الوقت، لذلك تلقت بعض الانتقادات في البداية، إلا أنها لاقت نجاحًا كبيرًا فيما بعد، وأطلق عليها النقاد اسم “المدبوليزم”.
كما اشتهر مدبولي بلقب “ناظر مدرسة الكوميديا” بعد تقديمه لشخصية الناظر في مسرحية “مدرسة المشاغبين” التي قام بإخراجها وشارك في بطولتها لمدة 3 سنوات قبل انسحابه منها. أما لقب “بابا عبده” وهو المفضل عند مدبولي فاشتهر به بعد تقديمه لتلك الشخصية في المسلسل الاجتماعي الشهير “أبنائي الأعزاء.. شكرًا” والذي ناقش قضية الترابط الأسري، ومدى احتياج الأب لأبنائه، وأيضًا احتياج الأبناء الدائم إلى أبيهم مهما تقدم بهم العمر. وذلك من خلال شخصية الأب الذي تجاوز الستين ويكتشف بعدما أحيل للمعاش أن أبنائه ابتعدوا عنه كثيرًا وأصبح يحتاج للتعرف عليهم من جديد.
جوائز وتكريمات

حصل عبدالمنعم مدبولي خلال مشواره الفني على العديد من الجوائز وشهادات التكريم، أهمها: جائزة أحسن ممثل في السينما عن أفلامه فيلم “الحفيد” و فيلم “أهلا يا كابتن” وكذلك فيلم “مولد يا دنيا”. كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1983. و جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله عام 1984. وفي عام 1986 حصل على جائزة تكريم في مهرجان زكي طليمات. وقد قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتكريمه بشهادة تقدير خاصة في أكاديمية الفنون عن دوره في مسلسل “أبنائي الأعزاء..شكرًا”.
زواجه وأبنائه

تزوج عبدالمنعم مدبولي من السيدة نجاة، التي عرفها منذ الطفولة، حيث كانت جارته وطالبة في كلية الفنون الجميلة. وعندما فكر في الاستقرار والزواج لم يجد في خياله غيرها، وبدأت مشاعر الحب تملأ قلبه تجاهها، فتقدم للزواج منها وأنجبا ثلاثة أبناء هم أمل ومحمد ومحمود. وكان مدبولي يستمع إلى رأيها في كل أعماله الفنية ويضعه في عين الاعتبار، وكان يخاف من رأيها لأن نقدها كان لاذعًا بدون مجاملة. ودائمًا ما كان يصفها بالفدائية لأنها كانت تحمل وحدها كافة مسئوليات المنزل وتربية الأبناء.
وفاته

في منتصف الثمانينات أُصيب عبدالمنعم مدبولي بمرض سرطان الكبد، فسافر إلى الخارج وأجرى عملية جراحية وتم شفائه. ولكن في عام 2006 وقبل وفاته بأشهر قليلة اكتشف أن السرطان عاد مرة أخرى في الطحال، فسافر إلى فرنسا إلا أن الأطباء رفضوا إجراء الجراحة له نظرًا لكبر سنه. فعاد إلى مصر وتعامل مع المرض بالأدوية، ولكن تدهورت حالته الصحية. وفي أواخر أيامه أصيب بالتهاب رئوي وقصور شديد بعضلة القلب، وتم نقله إلى العناية المركزة بعد دخوله في غيبوبة طويلة استمرت لأسابيع. ليرحل عملاق الكوميديا عن عالمنا يوم 9 يوليو من عام 2006، عن عمر جاوز 85 عامًا.