أكثر من قرن مر على الظهور الأول للسينما في مصر، حيث قُدمت خلال تلك السنوات آلاف الأفلام الخالدة في الذاكرة، والتي شكلت جزء كبير من التاريخ السينمائي  لـ “هوليود الشرق”، حتى أن بعضها يأتي على رأس قائمة أفضل مائة فيلم عربي. قبل أن تصبح في حال يُرثى لها، بعدما أصبحت أفلام المقاولات هي السمة المميزة للسينما مؤخرًا.

مكانة السينما المصرية في العالم

دهشة كبيرة قد تصيبك إذا عرفت أن علاقة مصر بالسينما قد بدأت في نفس الوقت الذي بدأت فيه في أوروبا والعالم كله. حيث أن أول عرض سينمائي تجاري في العالم كان في ديسمبر 1895 في باريس، وكان فيلمًا صامتًا للأخوين “لوميير”، وبعد هذا التاريخ بشهر، تم تقديم أول عرض سينمائي في مصر بمدينة الإسكندرية في يناير 1896، ثم تبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في نفس الشهر من نفس العام، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في 1898.

مرحلة الأفلام الوثائقية

لم تختلف السينما المصرية في بدايتها عن السينما العالمية، التي كانت تُقدم أفلام وثائقية، وهي مشاهد تعرض صور متحركة لها صلة بموضوع محدد، ولكن بدون سياق روائي. لهذا قامت البعثة الأولى للأخوين “لوميير”  في مصر في 10 مارس 1897، بتصوير 35 فيلمًا عن الحياة اليومية في الإسكندرية والقاهرة. كذلك بعثة “لوميير” الثانية في عام 1906 التي رصدت صورًا للأماكن الطبيعية بالقاهرة والأقصر وأسوان.

وجاءت البداية الحقيقية للسينما المصرية في 20 يونيو 1907، بعدما نجح “عزيز بندرلي” و”امبرتو ملافاس”، في تقديم أول تجربة سينمائية مصرية متكاملة، وذلك بتصوير فيلم تسجيلي صامت عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية.

مرحلة الأفلام الروائية والسينما الصامتة

جاءت البدايات الأولى للسينما الروائية الطويلة في مايو 1927، من خلال فيلم “قبلة في الصحراء”، ومن بعده فيلم “ليلى” في نوفمبر من نفس العام، وفي تلك الفترة أيضًا قدم المخرج محمد كريم أول فيلم روائي مقتبس من عمل أدبي وهو فيلم “زينب”، للمؤلف محمد حسنين هيكل، والذي تولى إنتاجه الفنان يوسف وهبي. ونظرًا لنجاح الفيلم الذي عُرض في 1930، تمت إعادة إنتاجه عام 1952 بالتقنية الناطقة.

مرحلة السينما الناطقة

دخلت السينما المصرية مرحلة جديدة وهي مرحلة السينما الناطقة في مارس 1932، من خلال فيلم “أولاد الذوات” من بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق.

ليأتي من بعده فيلم “أنشودة الفؤاد”، الذي ساهم بشكل كبير في تزايد جمهور السينما، نظرًا لكونه أول فيلم موسيقي غنائي في تاريخ السينما المصرية، حيث شهد ظهورأول مطربة مصرية وتدعى نادرة،  بينما كان أول مطرب يظهر في السينما هو محمد عبد الوهاب في فيلم “الوردة البيضاء”.

مرحلة الثلاثينات والأربعينات

شهدت هذه المرحلة نقلة جديدة في تاريخ السينما المصرية، حيث تم إنشاء “ستوديو مصر” في 1935، ومن بعده “ستوديو النحاس” في 1946، وبعد الحرب العالمية الثانية، زاد الإنتاج السينمائي للأفلام في مصر من 16 فيلمًا عام 1944 إلى 67 فيلمًا عام 1946.

وظهرت محاولات لتلوين أجزاء من الأفلام منها تلوين أغنية “يوم الاتنين” من فيلم “لست ملاكًا” للفنان محمد عبد الوهاب، عام 1946. كذلك بدأت ظاهرة الإخراج النسائي من خلال أعمال مخرجات مثل عزيزة أمير في فيلم “كفري عن خطيئتك”، وفاطمة رشدي في “الزواج”، وبهيجة حافظ في “الضحايا”.

وشهدت السينما المصرية في مرحلة الثلاثينات والأربعينات تنوع كبير في الموضوعات، فظهرت أنواع مختلفة من الأفلام منها التاريخي مثل فيلم “شجرة الدر”، أو الخيال العلمي مثل “عيون ساحرة”، أو الكوميديا مثل “علي بابا والأربعين حرامي”.

مرحلة الخمسينات والستينات

شهدت هذه المرحلة إنتاج أول فيلم مصري كامل بالألوان الطبيعية وهو فيلم “بابا عريس” من بطولة نعيمة عاكف وكاميليا وشكري سرحان، وفي عام 1951 قام الفنان محمد فوزي بتجربة تلوين فيلمين له هما “الحب في خطر” و”نهاية قصة”.

كذلك تم إنتاج فيلم  “دليلة” بنظام الألوان سكوب، في عام 1956، من بطولة شادية وعبد الحليم حافظ. ليتوالى بعد ذلك إنتاج الأفلام الملونة ولكن بشكل محدود.

وشهدت الستينات تأميم صناعة السينما في مصر، حيث تم إنشاء “المؤسسة العامة للسينما لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة”، التي تتبع القطاع العام في مصر، مما أدى إلى انخفاض متوسط عدد الأفلام من 60 إلى 40 فيلمًا في السنة.

مرحلة السبعينات والثمانينات

تمت تصفية “المؤسسة العامة للسينما” في 1971، وتم إنشاء هيئة عامة تضم السينما والمسرح والموسيقى معًا، والتي اكتفت بتمويل القطاع الخاص. وبعد حرب أكتوبر 1973 ساد التصوية بالألوان في معظم الأفلام السينمائية. وفي عام 1975 تم إنتاج أول فيلم يتناول سياسة الانفتاح، وهو فيلم “على من نطلق الرصاص”، من بطولة سعاد حسني ومحمود ياسين وعزت العلايلي.

وفي بداية الثمانينيات ظهر مصطلح “تيار الواقعية”، وهم مجموعة من المخرجين الشباب الذين أخذوا على عاتقهم تقديم أفلام سينمائية جادة، ومنهم عاطف الطيب ورأفت الميهي وخيري بشارة ومحمد خان. ليرتقع بذلك عدد الأفلام المُنتجة في عام 1984 إلى 63 فيلمًا.

أما أفلام المقاولات فظهرت في منتصف الثمانينيات، وهي أفلام تم إنتاجها بميزانيات قليلة وإمكانيات ضعيفة، بهدف تصديرها إلى دول الخليج، حيث بلغ عدد الأفلام في عام 1986 ما يقرب من 95 فيلمًا.

مرحلة التسعينات والألفينات

مع بداية فترة التسعينات، وخاصة بعد حرب الخليج، تراجعت أفلام المقاولات بشكل كبير، وظهر مجموعة جديدة من المخرجين الذين تغلبوا على الأفكار السائدة في السينما في هذا الوقت، ومنهم رضوان الكاشف وأسامة فوزي وسعيد حامد. وللأسف انخفض معدل إنتاج الأفلام السنوي.

ثم ظهرت موجة جديدة من الأفلام الكوميدية، بعد فيلم “إسماعيلية رايح جاي” والذي أعاد الانتعاش لصناعة السينما في مصر. وبعد سيطرة الكوميديا على معظم الإنتاج السينمائي، ظهرت نوعية جديدة من أفلام الحركة والأكشن، وكذلك الأفلام الرومانسية.

وكان للسيدات نصيب كبير في تصدر المشهد السينمائي في تلك الفترة، حيث تألقت العديد من الفنانات في أدوار البطولة، مثل فيلم “أحلى الأوقات” و”حب البنات” و”احكي يا شهرزاد” و”678″، وغيرها من الأفلام التي حققت نجاحًا كبيرًا.

ولو تأملنا الوضع في تلك الفترة، سنلاحظ تراجع ظاهرة “صديق البطل”، التي اعتمدت عليها الأفلام السينمائية في البداية، وظهر مصطلح “البطولة الجماعية”، وهي أفلام ضخمة تضم مجموعة من النجوم الكبار، مثل “سهر الليالي” و”عمارة يعقوبيان” و”ليلة البيبي دول”.

مرحلة 2010 - 2020

شهدت تلك الفترة مع استمرار أفلام الأكشن والكوميديا، ظهور نوعية جديدة من “الأفلام الشعبية”، التي تهتم بمناقشة حياة الطبقة الفقيرة ومشاكلها، مثل فيلم “عبده موتة” و”حين ميسرة” و”ولاد رزق”. وكانت لتلك النوعية من الأفلام أثار سلبية على المجتمع المصري، ونالت الكثير من الانتقادات بسبب احتوائها على ألفاظ سوقية وكلمات بذيئة، بالإضافة إلى الكثير من المشاهد المخلة والرقصات المثيرة.

ومع بداية عام 2021 تواجه صناعة السينما حالة من الترقب، حيث يأمل الجمهور في موسم جديد من الإنتاج السينمائي يحمل معه ثراء وتنوع في الأفلام المُنتجة من حيث الكيف وليس الكم.