
ظهرت صناعة السينما في مصر مبكرًا، بدءًا من عام 1907، وشهدت تطورًا مستمرًا في نواحي مختلفة، إلا أن مصر لم تشهد بشكل كبير صناعة مجلات سينمائية تواكب الإنتاج الفني من حيث النقد البناء، والمناقشات الفنية الهادفة، وتوثيق الأعمال الفنية ومراحل تطورها، فضلًأ عن تقديم الدعم للمبدعين الفنيين عن طريق تخليد سيرتهم وأعمالهم.
وأدرك صناع السينما المصرية في وقتًا ما أهمية الدور الذي تلعبه المجلات السينمائية، فظهرت بعض المحاولات لتقديم تلك النوعية من الإصدارات الصحفية، وتصدر المشهد بشكل متفرق ظهور عدة مجلات في أوقات مختلفة من تاريخ صناعة السينما المصرية، إلا أن تلك المحاولات لم تستمر طويلًا، وشهدت عقبات كثيرة وكتب لها الفشل.
ورغم عدم استمرار معظم تلك المحاولات، إلا أنها أثبتت أن المجلات السينمائية تلعب دورًا فعالًا في تشكيل صناعة السينما في مصر. فهل يمكن أن نرجع سبب توقف تلك الإصدارات إلى الجانب المالي؟ أم أن هناك عقبات أخرى حالت دون استمرار صدورتلك المجلات؟
المحاولات الأولى لإصدار جريدة سينمائية

وتعد مجلة “الصور المتحركة” التي أصدرها محمد توفيق في عام 1923، هي أول مجلة سينمائية متخصصة، وكانت قائمة بشكل أساسي على الأفلام العالمية، من خلال نشر قصص حياة النجوم والأخبار الفنية المترجمة عن المجلات الأجنبية، وكانت مكونة من 24 صفحة، كل صفحة من عمودين، وثمن العدد عشرة مليمات.
وبعد ثلاثة أعوام صدرت مجلة “كواكب السينما”، التي أصدرها الناقد والمؤرخ السينمائي وأحد رواد الصحافة السينمائية ، السيد حسن جمعة، في عام 1924، وكانت مكونة من 16 صفحة، ويطبع منها 50 نسخة. وتوالت بعدها مجلات أخرى مثل “عالم السينما” و”العروسة” والفن السينمائي”.
كذلك أصدر مدير سينما “أوليمبيا” مجلة متخصصة في مجال السينما عام 1926، وهي “نشرة أوليمبيا السينماتوغرافية”، وكانت تهتم بأخبار النشاط السينمائي في العالم وحياة نجوم السينما، كذلك أصدرت إحدى جمعيات هواة السينما في الإسكندرية مجلة أخرى بعنوان “نشرة مينا فيلم”، والتي لم يصدر منها سوى 5 أعداد فقط في 1926، وتوقف إصدارها في نفس العام.
بينما شهد عام 1932 صدور مجلة فنية جديدة وهي “الكواكب”، والتي أصدرتها دار الهلال، وتعد أشهر المجلات الفنية حتى يومنا هذا.
تجارب جديدة بارزة ومؤثرة

ولا يمكن أن ننسى تجربة هامة ومؤثرة لوزارة الثقافة فى إصدار مجلة “السينما والمسرح”، والتي كان رئيس تحريرها الكاتب الكبير يوسف السباعي، ويأتي بعدها تجربة الناقد والمؤرخ السينمائي سمير فريد، مع مجلة “السينما والفنون” في عام 1977، والتي لم يصدر منها سوى 35 عدداً فقط.
ولعل أبرز تجربة في هذا المجال تتمثل في مجلة “الفن السابع”، التي أصدرها الفنان محمود حميدة عام 1997، وهي أول مطبوعة عربية سينمائية متخصصة بصناعة السينما في الشرق الأوسط، وكانت تسلط الضوء على قضايا وأفلام وشخصيات سينمائية عربية وأجنبية، وصدر منها 44 عددًا، حتى توقفت عام 2001، لأسباب مالية، إلا أن أعدادها ظلت محتفظة بقيمتها، حيث اعتبرها الدارسين مرجعًا تاريخيًا لمختلف الأعمال المحلية والعالمية.
وحاولت المجلات السينمائية التي ظهرت بعد عام 2000، مثل “سينما أونلاين”، التي صدرت عام 2002، واستمرت لمدة عامين فقط، و”جود نيوز سينما”، والتي استمرت من 2003 وحتى 2009، أن تملأ الفراغ الكبير في هذه الصناعة، إلا أنها ابتعدت عن المحتوى الجاد والنقد الفني، وركزت أكثر على اهتمامات الجمهور، من أخبار خفيفة عن المشاهير والأفلام السينمائية.
إلا أن تلك الإصدارات كلها توقفت بسبب أزمات مالية، تسببت في عدم قدرتها على تغطية تكاليف الإنتاج وأجور العاملين بها.

ومؤخرًا ظهرت بعض المحاولات الجديدة لإصدار مجلات سينمائية تستمر لفترة من الزمن، إلا أن تلك المحاولات لم تنتشر بشكل كافي بين الجمهور، فأطلت علينا مجلة “الفيلم” عام 2014، وهي مجلة صدرت عن جمعية النهضة العلمية والثقافية “جزويت القاهرة”، وتهتم بالثقافة السينمائية على مستوى العالم.
ومجلة “تلي سينما” وهي مجلة سينمائية شهرية صدرت عن نقابة المهن السينمائية عام 2018. والتي ميزها أنها لم تقتصر على السينمائيين فقط، كما كان متوقعًا من مجلة تصدرها نقابة السينما، بل صبت اهتمامها أيضًا على الجمهور، وكذلم لم تقتصر على السينما المصرية، بل انتلقط لتشمل السينما العربية والعالمية.
دور الإنترنت في تعثر الصحافة السينمائية

ورغم تاريخ مصر السينمائي الطويل، وافتخارنا بكونها رائدة في صناعة السينما لما يزيد عن قرن من الزمان، إلا أنه من المحزن إلا توجد لدينا وبشكل مستمر مجلة كبيرة مختصة بشئون السينما. فحتى الآن لم تشهد الساحة صدور مجلة سينمائية ثابته ومستقرة، كما أصبح الوضع أصعب في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد انتشارمواقع الإنترنت الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تسببت في تغير كبير في علاقة الجمهور بالسينما.
فأصبح كل واحد منهم في مقام الناقد السينمائي، وبات من المعتاد أن يعرض كل منهم رأيه الشخصي بحرية، بالإضافة لاستطلاع وقراءة أراء الآخرين بسهولة، ولم يعد من المنطقي انتظار صدور مجلة شهرية أو حتى إسبوعية لمعرفة أخبار السينما والفن والمشاهير، في حين يمكن بسهولة معرفتها خلال دقائق معدودة من تصفح الإنترنت.
ناهيك عن دفع مبالغ مالية في مجلات فنية في حين توافرها بشكل مجاني تمامًا. كل تلك الأسباب تجمعت لتجعل صدور مجلة سينمائية عربية تعرض تطورات المجال السينمائي في مصر والعالم، حلمًا بعيد المنال، وكأن قدرهوليود الشرق أن تظل بلا مطبوعات صحفية مختصة بالشأن السينمائي.