
يحرص صناع السينما المصرية على مناقشة مختلف القضايا والموضوعات، وتقديم مختلف الحبكات في أفلامهم، ومن بين تلك الموضوعات المرضى النفسيين وما يصاحبهم من تشخيصات نفسية مختلفة.
ورغم أن المجتمع ظل لسنوات طويلة يتعامل مع المرضى النفسيين بصورة سيئة بسبب الجهل بطبيعة تلك الأمراض وأعراضها، التي تكون غير واضحة أو مفهومة عادة، ومسببة لمواقف محرجة في كثير من الأحيان، إلا أن السينما لعبت دور هام كوسيط بين المريض النفسي والمجتمع المصري.
ومعًا نستعرض بعض الأمراض النفسية التي ناقشتها السينما المصرية في أفلامها، بصورة كوميدية في بعض الأوقات، وبنظرة جادة وأكثر واقعية في أوقات أخرى.
عقدة النقص.. باب الحديد 1958

يعد الفيلم الأشهر للمخرج يوسف شاهين وهو من أوائل الأفلام المصرية التي ناقشت فكرة المريض النفسي، ويدور الفيلم حول قناوي “يوسف شاهين”، بائع الجرائد الفقير الذي يعشق هنومة “هند رستم”، ولكنه يعاني من الدونية وهي عقدة الشعور بالنقص أو العجز العضوي والنفسي والاجتماعي وعدم احترام الذات، بالإضافة إلى الحرمان العاطفي والقمع الجنسي. مما أثر بشكل سلبي عليه وجعله شخصية غير مستقرة، وأوصله إلى حد محاولة قتل حبيبته بسبب ارتباطها بشخص آخر.
اضطراب ما بعد الصدمة.. الليلة الأخيرة 1964
ناقش الفيلم اضطراب فقدان الذاكرة بعد الصدمة، حيث تستيقظ البطلة نادية برهان صادق “فاتن حمامة” لتجد أنها عاشت لمدة 15 عامًا في شخصية شقيقتها فوزية، التي توفيت في زيارة لمنزل أسرتها، الذي تعرض للقصف أثناء إحدى الغارات الحربية، فاستغل زوجها فقدان نادية شقيقة زوجته لذاكرتها وأوهمها أنها زوجته فوزية، وذلك حتى لا تصبح ابنته يتيمة الأم. وبعد عودة الذاكرة لها اوهمها الزوج بالجنون حتى لا ينكشف ما فعله.
التقديس الأعمى أو الفتيش.. مطاردة غرامية 1968
تناول الفيلم بصورة كوميدية اضطراب التقديس الأعمى لفكرة معين، أو ما يعرف بالفتيش، وهو انحراف نفسي شهير يقوم على إشباع الرغبة الجنسية عن طريق الانجذاب لشيء معين، فنجد منير “فؤاد المهندس” الذي يقع في حب النساء عن طريق أقدامهن وأحذيتهن فيما يعرف بفتيش القدم.
ازدواج الشخصية.. بئر الحرمان 1969
قدم الفيلم أحد الاضطرابات النفسية المعقدة، حيث تعاني البطلة “سعاد حسني” من ازدواج الشخصية، فنجدها في دورناهد الفتاة الرقيقة صباحًا وميرفت الفتاة اللعوب ليلًا. يعالجها طبيب نفساني ويكتشف أن مرضها نتيجة عقدة نفسية من الطفولة، سببها قسوة أبيها على أمها عندما اكتشف خيانتها له، فجعلها تعيش باقي حياتها معه تعاني من الجفاء والحرمان العاطفي، فترسب ذلك في أعماق الطفلة، وظهر كمرض نفسي فيما بعد.
عقدة أوديب.. سفاح النساء 1970
قدمت السينما مجددًا صورة المريض النفسي بشكل كوميدي، فنجد الفنان “حسن زايد”، الذي قدم شخصية ميمي السفاح الذي تعلق كثيرًا بوالدته، لينتهي به الأمر قاتلًا يختار ضحاياه من النساء ويقوم بالاحتفاظ بأجسادهن في قوالب من الشمع، حتى لا يفقدهن كما فقد والدته. فهو مصاب بما يعرف بعقدة أوديب، وهي عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته بطريقة عير طبيعية ويتعلق بها بشدة ويغار عليها.
عقدة أوديب والفتيش والبيدوفيليا.. السراب 1970
قدم الفيلم مجموعة متنوعة من الأمراض النفسية التي عانى منها معظم الأبطال، فنجد أحمد عاكف “نور الشريف” الذي يعاني من عقدة أوديب، حيث سيطرت علاقته بوالدته وحبه المرضي لها، على علاقته بزوجته. كما أنه يعاني من الفتيش، فيشعر بالإثارة الجنسية فقط عند رؤية المنديل الذي تربطه الخادمة على رأسها، وذلك بسبب تعرضه للتحرش في صغره من قبل الخادمة، التي عانت بدورها من اضطراب نفسي يسمى البيدوفيليا، وهو حب ممارسة الجنس مع الأطفال.
إزدواج الشخصية.. الاختيار 1970

تناول يوسف شاهين المرض النفسي للمرة الثانية في هذا الفيلم، من خلال البطل “عزت العلايلي”، مقدمًا شخصية “سيد” الذي قتل شقيقه التوأم “محمود”، ويعيش بإزدواج في الشخصية، باحثًا عن السعادة، فيذهب لزوجته “شريفة” بشخصيته الأساسية، ويذهب لعشيقته “بهية” بشخصية شقيقه التوأم.
المازوخية.. شفيقه ومتولي 1979
قدم الفيلم نوع مختلف وغير منتشر من الإضرابات النفسية يسمى المازوخية، وهو الاستمتاع والتلذذ بالشعور بالألم البدني والنفسي أثناء العلاقة الجنسية، وذلك ضمن أحد مشاهد الفيلم، حيث نجد يسري باشا “جميل راتب”، الذي يجلد العمال والفلاحين، يطلب من شفيقة “سعاد حسني”، أن تضربه بالكرباج داخل غرفة النوم، حتى يصل إلى ذروة شعوره بالمتعة.
الرهاب.. خلي بالك من عقلك 1985
قدم الفيلم شخصية سلوى “شيريهان” المريضة النفسية المصابة بالرهاب الإجتماعي، حيث تخشى اقتراب أي شخص منها، خاصة الرجال، ظنًا منها أنهم يريدون الاعتداء عليها. ويقابلها الطبيب النفسي وائل “عادل إمام” داخل مستشفى الأمراض العقلية، فيتفهم طبيعة مرضها ويتأكد من أنها ليست مجنونة بل مريضة نفسية، ويساعد في إخراجها من المستشفى وعلاجها، خاصة بعدما يعرف بتجربتها القاسية مع زوج والدتها الذي حاول اغتصابها.
جنون العظمة.. زوجة رجل مهم 1987

قدم الفيلم شخصية الضابط هشام “أحمد زكي”، الشغوف بالسُلطة والقَمع، ويمارسهما حتى على زوجته الرقيقة منى “ميرفت أمين”، وبعد خروجه من الخدمة يصاب بمرض جنون العظمة، حيث يعتقد أنه ما زال يملك السلطة والنفوذ، وأنه يجب على الآخرين أن يبالغوا في إظهار الاحترام والتقدير له بناءً على ذلك. ويتطور مرضه النفسي إلى حد قتل والد زوجته والانتحار.
الشذوذ.. عمارة يعقوبيان 2006
قدم الفيلم مجموعة من القصص المختلفة، منها قصة الصحفي الكبير حاتم رشيد “خالد الصاوي”، الذي يعاني من اضطرابات الميول الجنسية نتيجة تعرضه للاغتصاب من الخادم أثناء طفولته ، مما يدفعه رغم مكانته الاجتماعية العالية، لممارسة الشذوذ الجنسي، مع الشاب الفقير عبد ربه “باسم سمرة”.
هوس السرقة.. عصابة الدكتورعمر 2007
مجددًا يقدم الفيلم المرض النفسي بصورة كوميدية، من خلال الطبيب النفسي عمر “مصطفى قمر” الذي يعالج مرضاه بأساليب العلاج الحديثة التي درسها في الخارج، فنجده يساعد ريم “ياسمين عبد العزيز” الفتاة الثرية التي تعاني من الكليبتومانيا أو هوس السرقة، بسبب انشغال والديها عنها. كما يتطرق الفيلم لبعض الأمراض النفسية الأخرى مثل فوبيا الأماكن المرتفعة، وفوبيا الحرائق والنيران.
التوحد.. التوربيني 2007

يقدم الفيلم قصة شاب يدعى محسن “أحمد رزق”، الذي يعاني من مرض التوحد، وهو حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر في قدرة الشخص على التواصل الاجتماعي مع الآخرين، حيث يرفض محسن التواصل مع شقيقه الأكبر كريم “شريف منير”، الذي حاول في البداية استغلال مرض شقيقه للاستيلاء على ميراثه. وبمرور الوقت ينجح كريم في كسب ثقة محسن والتقرب منه.
الفصام وجنون الارتياب.. آسف على الإزعاج 2008
يعد هذا الفيلم واحد من أفضل الأفلام التي قدمت المرض النفسي في السينما الحديثة، حيث تمكن من الغوص في أعماق أكثر الاضطرابات النفسية خطورة، من خلال شخصية مهندس الطيران حسن صلاح الدين زيدان “أحمد حلمي”، الذي يعاني من مرض الشيزوفرينيا أو الفصام، الذي يصاحبه الهلاوس السمعية والبصرية، فيتخيل حدوث أشياء غير صحيحة، ويخاطب الأموات ظناً منه أنهم أحياء، فضلًا عن اختلاق شخصيات ومواقف لا وجود لها. كذلك يصاب البطل بالبارانويا أو جنون الارتياب فهو يؤمن بتعرضه للمؤامرة والاضطهاد من المحيطين به. وكل ذلك بسبب تعرضه لصدمة كبيرة لم يستطع تجاوزها بعد وفاة والده.
اضطراب الشخصية الحدية واضطراب ثنائي القطب وغيرها.. الفيل الأزرق 2014 - 2019
تناول فيلم بجزأيه، المرض النفسي بصورة اعترض عليها بعض النقاد والأطباء النفسيين، حيث أرجع بعض الإصابات والحالات النفسية لأسباب خارقة للعاده كالسحر الأسود ومس الجن، أو أسباب أخرى كإدمان المخدرات. إلا أن بطل الفيلم دكتور يحيى “كريم عبد العزيز”، الطبيب النفسي بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، قد تطرق في بعض المشاهد إلى مجموعة من الأمراض النفسية المتعارف عليها مثل اضطراب الشخصية الحدية واضطراب ثنائي القطب والفصام وجنون الاضطهاد.