
تحل يوم 2 يناير الذكرى الأولى لرحيل السيناريست والكاتب الكبير وحيد حامد، الذي يعد أحد أبرز أعمدة السينما المصرية في العقود الأخيرة. فإلى جانب كونه كاتب روائي وسيناريست، شغل وحيد حامد عضوية “اتحاد كتاب مصر”، و”نقابة المهن التمثيلية”، و”نقابة المهن السينمائية”، و”نادي القلم”، و”جمعية كتاب ونقاد السينما”.
وعُرف عن وحيد حامد اهتمامه بمناقشة القضايا التي تهم المجتمع المصري، خاصة القضايا ذات البُعد السياسي. حيث أخذ على عاتقه مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب في العديد من الأعمال مثل أفلام “طيور الظلام، دم الغزال” ومسلسلات “العائلة، الجماعة”. كما ناقش الفساد السياسي والمجتمعي في أفلام “البريء، الغول، اللعب مع الكبار، الراقصة والسياسي، معالي الوزير، احكي يا شهرزاد”. فضلًا عن التطرق للفروق الطبقية بين الطبقة الغنية والطبقات المتوسطة والفقيرة في أفلام “المنسي، ديل السمكة، اضحك الصورة تطلع حلوة”. وهو ما عرضه في كثير من الأحيان لرفع العديد من القضايا ضده، كما تلقي تهديدات بالقتل. مما استدعى تعيين حراسة خاصة له في بعض الأوقات، خوفًا على حياته. وفي الذكرى الأولى لرحيله، نعرض لكم مقتطفات من حياة وحيد حامد، وأبرز الأعمال الفنية التي لم يتمكن من الانتهاء من كتابتها قبل وفاته، أو انتهى منها لكنها لم تخرج للنور حتى الآن.
ميلاده ونشأته

ولد وحيد حامد يوم 1 يوليو عام 1944 بقرية بني قريش التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية. وجاء إلي القاهرة عام 1962 لدخول كلية الآداب قسم اجتماع. وخلال فترة الدراسة حرص على ثقل موهبته من خلال قراءة الكتب الأدبية والثقافية، والاضطلاع على عالم السينما والمسرح، آملًا في أن يصبح كاتبًا مميزًا. حتى تمكن من إصدار أول مجموعة قصصية له بعنوان “القمر يقتل عاشقه”. والتي قرأها الكاتب الكبير يوسف إدريس، ونصحه بالكتابة للسينما والتلفزيون، وهي النصيحة التي عمل بها وحيد حامد، فترك كتابة القصة القصيرة وبدأ رحلته مع صياغة السيناريو، وحقق نجاحًا باهرًا خلال مسيرته الفنية الحافلة التي تتضمن ما يزيد عن 40 فيلمًا و30 مسلسلًا تليفزيونًا وإذاعيًا، حتى أصبح واحدًا من أهم وأعظم المؤلفين في مصر.
أعمال فنية لم تخرج للنور

هناك العديد من السيناريوهات التي كتبها وحيد إلا أنها لم تكتمل مطلقًا لظروف وأسباب تختلف من عمل لآخر، وكان من أهم تلك الأسباب حاجة تلك الأعمال لميزانية إنتاج ضخمة. وفيما يلي قائمة بأبرز سيناريوهات وحيد حامد التي لم ترِ النور حتى الآن.
عبارة الموت
في عام 2006 قام وحيد حامد بكتابة سيناريو فيلم “عبارة الموت” الذي تناولت أحداثه حادث غرق عبّارة “السلام 98” في شهر فبراير من نفس العام. وهو الحادث الذي شغل الرأي العام وقتها، بعدما راح ضحيته أكثر من ألف شخص غرقًا في مياه البحر الأحمر. وبسبب هذا السيناريو تعرض وحيد حامد لتهديدات وصلت إلى حد الإنذار القضائي من رجل الأعمال ممدوح إسماعيل، مالك العبّارة. إلا أن وحيد حامد أصر على استكمال السيناريو، حتى أنه قام بمعايشة ظروف الرحلة حيث قضى أكثر من 3 أيام في عبّارة مشابهة في عرض البحر. كما تواصل مع أسر الضحايا والمفقودين، وكذلك الناجين من الحادث. ورغم حصول الفيلم على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية، إلا أنه لم يتم تنفيذه بسبب التكلفة الإنتاجية العالية والتي وصلت إلى 50 مليون جنيه.
فاروق الأول والأخير
في عام 2006 أيضًا، انتهى وحيد حامد من كتابة سيناريو فيلم “فاروق الأول والأخير”، والذي اختار من خلاله أن يخالف المنظور السائد عن شخصية الملك فاروق، مستعينًا بوثائق تتعامل بأسلوب محايد يصحح بعض الصور السلبية التي التصقت بالملك، بسبب سلوكيات موظفيه أو أفراد عائلته في إدارة شؤون الحكم. وكان وحيد حامد قد استقر على سمير سيف لإخراج الفيلم، واختار أحمد الفيشاوي للقيام بدور البطولة. ثم توقف الإعداد للفيلم رغم تعاقده على بيعه لإحدى جهات الإنتاج السعودية.
الحشاشون

كتب وحيد حامد معالجة مبدئية لفيلم يحمل اسم “الحشاشون”، الذي يتناول قصص ثلاث شخصيات في أزمنة وعصور مختلفة ارتبطت جميعها بالفكر الإرهابي. الأول حسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين، والتي تعد أول جماعة تتخذ منهج العنف على أساس ديني. والثاني هو سيد قطب صاحب الفكر الجهادي المتشدد. والثالث هو محمد عطا الذي يعد العقل المدبر لعملية 11 سبتمبر 2001، والذي قام بقيادة إحدى الطائرتين اللتين صدمتا برجي مركز التجارة العالمي. ورغم حصوله على موافقة الرقابة إلا أن وحيد حامد لم يبدأ أبدًا في كتابة الفيلم الذي كان مقررًا أن يخرجه مروان حامد.
134 يوم
قام وحيد حامد بكتابة سيناريو فيلم بعنوان “134 يوم”، والذي يدور حول إحدى معارك حرب أكتوبر 1973، والتي اشتهرت بأسم “معركة كبريت”. وهي من أكثر المعارك التي أظهرت بسالة وشجاعة الجنود المصرين أثناء الحرب. وظهر ذلك من خلال صمود جنود الكتيبة 603 أمام الحصار الذي كان الأطول خلال فترة الحرب. ومن أجل كتابة العمل، التقى وحيد حامد بأبطال المعركة من ضباط وجنود الجيش المصري، واستمع لذكرياتهم عن 134 يومًا قضوها تحت الحصار والجوع والعطش ونقص السلاح والذخيرة. وبعدما انتهى من كتابة سيناريو الفيلم، قام بترشيح مروان حامد لإخراجه، ليتوقف بعدها الإعداد للفيلم بدون سبب واضح.
عمرو دياب

كتب وحيد حامد سيناريو فيلم يتناول قصة حياة النجم عمرو دياب، وكان من المقرر أن يكون الفيلم من إنتاج شركة “عالم الفن” للمنتج محسن جابر. ووقع الاختيار على شريف عرفه كمخرج للعمل. ولكن كعادة مشاريع عمرو دياب التمثيلية دخل الفيلم دائرة التأجيل عدة مرات، ليواجه في النهاية مصيرًا مجهولًا حتى الآن.
الجماعة (الجزء الثالث)
يُعد مسلسل “الجماعة” من أهم أعمال وحيد حامد، والذي تناول من خلاله فضائح الجماعات الإرهابية، وكان وحيد حامد قد انتهى من كتابة ثلثي الأحداث في الجزء الثالث من المسلسل، حيث كان من المقرر عرضه العام السابق 2021، لكنه توفى قبل الانتهاء من الكتابة. و لم يُفصح عن مصير الجزء الثالث من العمل حتى الآن.
الصحبة الحلوة
من الأعمال التي بدأ وحيد حامد كتابتها قبل وفاته هو فيلم “الصحبة الحلوة” من بطولة الفنان الكبير يحى الفخراني، و إخراج ساندرا نشأت. والذي كان قد تم تحديد موعد تصويره، وتوقف العمل به بسبب كورونا. وكان من المقرر أن يستأنف وحيد حامد، كتابته ولكنه توفى قبل الانتهاء منه. ولم يذكر أحد من صناع الفيلم أي تفاصيل عن مصيره منذ وفاة كاتبه.
قائمة أفضل 100 فيلم

بالرغم من رصيده الفني الكبير وتقديمه للكثير من الأعمال الهامة التي ناقشت قضايا المجتمع، وعبرت عن مشاكل المواطنين. إلا أن رصيد وحيد حامد في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية يضم عملين فقط، الأول هو فيلم “البرئ” من بطولة أحمد زكي، محمود عبدالعزيز، ممدوح عبدالعليم، إلهام شاهين، وإخراج عاطف الطيب، والذي يحتل المركز رقم 28 في القائمة. أما الثاني فهو فيلم “اللعب مع الكبار” من بطولة عادل إمام، حسين فهمي، محمود الجندي، عايدة رياض، وإخراج شريف عرفة، والذي يحتل المركز رقم 90 في القائمة.
جوائز وتكريمات

حصل وحيد حامد على العديد من الجوائز الهامة طوال حياته، كان آخرها قبل وفاته بعدة أسابيع، حيث تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الثانية والأربعين، ومُنح جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر. أما عن باقي الجوائز التي نالها فنذكر منها:
• جائزة النيل عام 2012 وهي أعلى جائزة تمنحها الدولة.
• جائزة نجيب محفوظ عن مجمل أعماله الدرامية التليفزيونية من مهرجان القاهرة للإعلام العربي عام 2010.
• جائزة الدولة التقديرية عام 2008.
• جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2003.
• جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فالينسيا السينمائي بإسبانيا عن فيلم “اللعب مع الكبار”.
• الجائزة الفضية من مهرجان ميلانو بإيطاليا عن فيلم “الإرهاب والكباب”.
• جائزة أفضل فيلم من الصين عن فيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة”.
• جائزة أفضل سيناريو من مهرجان السينما الأفريقية عن فيلم “معالي الوزير”.
• جائزة الفارس الذهبي التي تمنحها إذاعة الشرق الأوسط لأفضل كاتب سينمائي من عام 1990 حتى عام 2002.
• جوائز المركز الكاثوليكي لأفضل فيلم سينمائي وأفضل كاتب سيناريو أعوام 1985 – 1998 – 1999.
وفاته

أصيب وحيد حامد بوعكة صحية استلزمت نقله إلى المستشفى ودخوله العناية المركزة، حيث عانى من مشاكل في القلب والرئة وتدهور في وظائف الكبد. ليرحل الكاتب الكبير عن عالمنا يوم 2 يناير من عام 2021، عن عمر جاوز 76 عامًا، إثر إصابته بأزمة قلبية.