سَجلت اسمها بحروف من ذهب في سجلات السينما المصرية. وأصبحت إحدى الرائدات اللاتي ساهمن في نهضة السينما في مصر. هي الممثلة والمنتجة آسيا داغر، التي لُقبت بـ عميدة المنتجين”. والتي كانت صاحبة الفضل في اكتشاف العديد من المواهب الفنية سواء في مجال التمثيل أو الإخراج.
وفي ذكرى وفاتها التي تحل يوم 12 يناير، نقدم لكم تقريرًا شاملًا عن مشوارها الفني، وأبرز إسهاماتها في السينما المصرية.

ميلادها ونشأتها

اسمها الحقيقي هو ألماظة داغر. وُلدت يوم 18 أبريل من عام 1901، في قرية تنورين بلبنان. بدأت مشوارها الفني في لبنان عندما قامت ببطولة فيلم قصير بعنوان “تحت ظلال الأرز”عام 1922. بعد وفاة زوجها في عام 1923، وبسبب الظروف السياسية الصعبة التي مرت بها لبنان بسبب الاحتلال الفرنسي،
تركت لبنان وجاءت إلى مصر بصحبة ابنتها “إيلين” وشقيقتها “ماري” وابنة شقيقتها “ماري كويني”، وأقاموا جميعًا في الإسكندرية. وبسبب خبرتها القليلة لم تتمكن من إيجاد عمل مناسب، لذلك قررت أن تخوض تجربة التمثيل في القاهرة. وفي ذلك الوقت، كان من غير اللائق أن يكون للفنانة أبناء، فادعت أنها تبنت بنت، وقامت بتغيير اسم ابنتها “إيلين” ليصبح “منى”، ولم يعلم أحد بالحقيقة إلا عند حصولها على الجنسية المصرية عام 1933.

بدايتها الفنية

بدأت آسيا داغر مشوارها الفني في مصر من خلال تقديمها دور ثانوي في أول فيلم مصري صامت وهو “نداء الرب” أو “نداء الله” عام 1926، ثم النسخة الثانية المعدلة من الفيلم عام 1927، والتي حملت اسم “ليلى”، والذي يُعد أول فيلم روائي طويل في السينما المصرية. لتُصبح بذلك أول فتاة لبنانية تظهر في فيلم مصري. أما أول بطولة لها فكانت فيلم “غادة الصحراء” عام 1929. والذي قامت بإنتاجه لنفسها.

شركة لوتس فيلم

في عام 1927 أسست آسيا مع ابنة شقيقتها، الفنانة ماري كويني، شركة لوتس فيلم لإنتاج وتوزيع الأفلام، والتي أصبحت أقدم شركات الإنتاج السينمائي في مصر. ولذلك استحقت لقب “عميدة المنتجين”. وكان فيلم “غادة الصحراء” هو أول فيلم من إنتاج الشركة عام 1929، والسابع في تاريخ السينما المصرية. حيث استعانت بالفنان التركي وداد عرفي لإخراجه. ثم استعانت بالمخرج إبراهيم لاما لتقديم فيلم “وخز الضمير” عام 1931، وهو الفيلم الذي ساهم بعد نجاحه في حصولها على الجنسية المصرية تقديرًا لجهودها.
ومنذ عام 1933 تعاونت مع الكاتب والمخرج أحمد جلال، وقدمت معه ما يقرب من 10 أفلام. حتى تخلى عنها عام 1942 بعد زواجه من ماري كويني ابنة شقيقتها، وأسس معها “ستوديو جلال” للإنتاج، وتفرغ لإخراج أفلام شركته الخاصة. فبدأت آسيا داغر في البحث عن مخرج آخر حتى استقرت على المخرج الشاب هنري بركات ليقوم بإخراج فيلم “الشريد” عام 1942.

إنجازاتها في السينما المصرية

كان لآسيا داغر بصمة واضحة ومميزة في السينما المصرية، فهي صاحبة السبق في تقديم أول فيلم خيال علمي بعنوان “عيون ساحرة”، وهو الفيلم الذي تعرض للرفض من الرقابة في البداية لأن أحداثه تدور حول أفكار مثيرة للجدل مثل إحياء الموتى والتنويم المغناطيسي والسحر. كما تسبب في إثارة غضب رجال الدين، حتى تدخل عبدالفتاح باشا يحيي، رئيس الوزراء آنذاك، لحل الأزمة وسمح بعرض الفيلم، حيث رأى أن صناع الفيلم أوضحوا في نهاية الفيلم أن البطلة كانت تحلم.
وفي عام 1954، أنتجت فيلم “حياة أو موت” الذي كان نقله في العالم التصوير السينمائي، حيث تم تصوير 80 % من مشاهده في شوارع القاهرة، بينما كانت الأعمال السينمائية السابقة يتم تصويرها داخل الاستوديوهات، محققة بذلك إنجاز جديد. كما كان لها السبق في تقديم أول فيلم مصري بالألوان عام 1958، وهو “رد قلبي”.
كما اهتمت بشكل كبير بتقديم الأفلام التاريخية الملحمية، فكانت أول من قدمها في السينما المصرية، وكانت تخصص لها ميزانية إنتاجية كبيرة لتظهر بصورة مناسبة. ومن أهم الأفلام التاريخية التي أنتجتها فيلم “شجرة الدر” عام 1935، والذي يُعد أول فيلم تاريخي مصري ناطق. ثم فيلم “أمير الانتقام” عام 1950، وفيلم “الناصر صلاح الدين” عام 1963، والذي تم اختياره لاحقًا ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، حيث احتل المركز الـ 11.

اكتشاف المخرجين والممثلين الجُدد

ساهمت آسيا داغر في ظهور مجموعة من أهم المخرجين والفنانين في تاريخ السينما المصرية، فهي من قدمت المخرج هنري بركات، في فيلم “الشريدة” عام 1942، وتوالت بعد ذلك في تقديم المخرجين الجدد الذين أصبحوا فيما بعد من أكبر المخرجين مثل يوسف شاهين، حسن الإمام، إبراهيم عمارة، أحمد كامل مرسي، يوسف معلوف، عز الدين ذو الفقار، حسن الصيفي، حلمي رفلة، كمال الشيخ.
أما بشأن الفنانين، فقد قدمت فاتن حمامة، في بداية حياتها الفنية في فيلم “الهانم” عام 1947. كما قدمت صباح في فيلم “القلب له واحد” عام 1945. وكذلك قدمت صلاح نظمي في فيلم “هذا جناه أبي” عام 1945.

اعتزال التمثيل

خلال مشوارها الفني، قامت آسيًا داغر بتقديم ما يقرب من 20 فيلمًا سينمائيًا. في أواخر الأربعينيات، وتحديدًا عام 1947، قررت آسيا داغر فجأة اعتزال التمثيل تمامًا. فكان فيلم “الهانم” أخر الأفلام التي شاركت في بطولتها مع فاتن حمامة وزكي رستم. لتقرر بعده التفرغ للإنتاج، وأنتجت مجموعة من أهم الأعمال الفنية منها: “أمير الانتقام، ساعة لقلبك، الحموات الفاتنات، حياة أو موت، رد قلبي، الناصر صلاح الدين، يوميات نائب في الأرياف”. ليصل ‘جمالي الأفلام التي أنتجتها إلى حوالي 50 فيلمًا.
ورغم عدم تقديمها أسباب واضحة لاعتزالها التمثيل، قيل إنها ابتعدت عنه لأنها لم تكن تجيد القراءة، كما لم تستطع التخلي عن لهجتها اللبنانية، التي لم تلق قبولاً عند المصريين، فضلًا عن عدم تقبل الجمهور لأدائها المتكلف في الأفلام.

إشهار إفلاسها

أرادت آسيا داغر تقديم عمل فني ضخم يُخلد اسمها في ذاكرة السينما، فوقع اختيارها على فيلم “الناصر صلاح الدين” واتفقت مع عزالدين ذو الفقار على إخراج الفيلم. لكنه أصيب بوعكة صحية شديدة، مما تسبب في تأخير تحضير الفيلم لمدة 5 سنوات. حتى قام عزالدين ذو الفقار بترشيح المخرج الشاب يوسف شاهين، الذي كان يبلغ من العمر 26 عامًا وقتها، لاستكمال الفيلم. ونظرًا لإيمانها الكبير بالفيلم ومراهنتها على نجاحه، قامت آسيا داغر برهن منزلها وسيارتها وبيع أثاث بيتها بالكامل، من أجل تسديد ميزانية الفيلم والتي تخطت الـ 200 ألف جنيه، لتصبح بذلك أضخم ميزانية إنتاج لفيلم مصري في تلك الفترة. إلا أن الفيلم فشل بسبب سوء عملية تسويقه وتوزيعه على السينمات، مما تسبب في خسارة فادحة لآسيا داغر، وتم التحفظ على كل ممتلكاتها، مما دفعها لإشهار إفلاسها. حتى أن وزارة الثقافة قامت بتكريمها ومنحها مبلغ 3 آلاف جنيه كمساعدة لها في سداد ديونها، وتعويض جزء من خسارتها. وبسبب إفلاسها حدث تراجع كبير في إنتاجها للأفلام، ولم تقدم آسيا داغر سوى 4 أفلام بعد “الناصر صلاح الدين”، لم يحقق أي منها نجاحًا تجاريًا يكفي لتعويض خسارتها الفادحة. فتوقفت عن الإنتاج السينمائي عام 1972، لتختتم تاريخها الإنتاجي بفيلم “الشيطان والخريف”.

قائمة أفضل 100 فيلم

تم اختيار 5 أفلام أنتجتها آسيا داغر لتُشارك ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب اختيار النقاد، وتلك الأفلام هي:
• فيلم “الناصر صلاح الدين” من بطولة أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ونادية لطفي وليلى فوزي، ومن إخراج يوسف شاهين. ويحتل المركز رقم 11 في القائمة.
• فيلم “رد قلبي” من بطولة شكري سرحان ومريم فخر الدين وصلاح ذو الفقار وحسين رياض وهند رستم، ومن إخراج عزالدين ذو الفقار. ويحتل المركز رقم 13.
• فيلم ” حياة أو موت” من بطولة عماد حمدي ومديحة يسري، ومن إخراج كمال الشيخ. ويحتل المركز رقم 38.
• فيلم “أمير الانتقام” من بطولة أنور وجدي وفريد شوقي وسامية جمال ومديحة يسري، ومن إخراج هنري بركات، ويحتل المركز رقم 61.
• فيلم “يوميات نائب في الأرياف” من بطولة أحمد عبدالحليم وراوية عاشور وتوفيق الدقن، ومن إخراج توفيق صالح. ويحتل المركز رقم 69.

جوائز وتكريمات

حصلت آسيا داغر، على العديد من الجوائز المهمة على مدار مشوارها الفني، تقديرًا لأعمالها الفنية وإسهاماتها العظيمة في مجال السينما. ونذكر من من أهم الجوائز التي حصدتها ما يلي:
• جائزة الاستحقاق اللبناني.
• جائزة من جامعة الدول العربية عن إنتاج الفيلم التاريخي “الناصر صلاح الدين”.
• الجائزة الأولى في الإنتاج السينمائي عام 1950.
• نيشان الاستحقاق السوري.
• الجائزة الأولى في مسابقة الدولة للسينما عن إنتاج فيلمي “حياة أو موت” و”رد قلبي”.
• جائزة الرواد من جمعية كتاب ونقاد السينما.
• جائزة الدولة للرواد في مهرجان اليوبيل الذهبي للسينما المصرية.

وفاتها

رحلت آسيا داغر، صانعة النجوم وعميدة المنتجين، عن عالمنا يوم 12 يناير من عام 1986، عن عمر جاوز 84 عامًا.